اخبار سياسية

الثلاثاء - 31 مارس 2020 - الساعة 07:17 م بتوقيت اليمن ،،،






في خطابه الأخير، الخميس، كرر زعيم الجماعة الحوثية عبارات عن التأييد الإلهي، وقبله بأسبوع تحدث عن سير أخيه حسين الحوثي طبقاً لتوجيهات إلهية، وانطلاقاً من موقف قرآني.

مهتمون بالمشهد الإيديولوجي الحوثي يؤكدون انتظامه على دعائم كهنوتية تخلط النص القرآني باجتهادات بشرية محتكرة في مجموعة عرقية مزعومة تتحدَّر سلالياً من النبي عبر ابنته فاطمة وابن عمه علي بن أبي طالب، ويستمر فيها الإلهام الإلهي كصيغة معدلة لنزول الوحي على النبي، في نقل ضمني لوظيفة الكهنة بأديان سابقة، وثنية أو سماوية ممزوجة بوثنية، تعطي الكاهن مرتبة الوسيط بين الإله والإنسان وتحصر فيه حق تفسير النص الديني والإرادة الإلهية، بما يجعل هذه التفسيرات تحظى بذات قداسة النص ودرجة إلزاميته.

الجديد في أسس البنية الإيديولوجية الحوثية انسلاخها من التركيبة الدينية والمذهبية اليمنية، المتشكلة اعتدالياً من الشوكاني والمقبلي والجلال ومؤخراً من العمراني كأبرز المجتهدين من الوسط الزيدي، باتجاه التماهي مع مقولات تشيعية متطرفة، فارسية المنشأ عملت على تكوين دائرة عدائية للإسلام بإعادة تنزيل مفاهيم الكهانة الوثنية، لكن بمصطلحات وشعارات إسلامية.

الناطق والعترة

ثنائية القرآن- الناطق أو القرين، أو الكتاب- العترة، أساس أصيل في البنية الفكرية الفارسية، وهي ترجمات إسلامية لرابطة الدين- العرق في الأدبيات الدينية الفارسية والإسرائيلية القديمة.

مازج عبد الملك الحوثي بين أخيه مؤسس الجماعة وبين القرآن باعتبار موقف هذا "انطلق على أساسٍ من المسؤولية، لم ينبع من هوى، ولم ينطلق من فراغ، وليس الدافع إليه دافعاً خاطئاً، أو دافعاً سلبياً، لا يمثِّل أجندة خارجية لصالح أي طرف هنا أو هناك، ولا إملاءات من أحد، إنها توجيهات الله "سبحانه وتعالى"، إنه هديه، إنها أوامره، إنها تعليماته "سبحانه وتعالى".

ذات الممازجة بين النص الديني- الشخص سبق بها حسين الحوثي بحديثه في إحدى ملازمه عن الخميني "يقوم الإمام الخميني تصدر أصوات من جانبهم يكفرونه رأساً [وجاء دور المجوس] هكذا، يأتي شخص من أهل بيت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يدعو الأمة إلى كيف تواجه أمريكا وإسرائيل، إلى التحرر من هيمنة دول الاستكبار من اليهود والنصارى، رجل مؤمن، تقي، رجل مجاهد، شجاع، يعرف كيف يضع الخطط الحكيمة، ينطلق انطلاقة قرآنية".

مصطلحات مثل "انطلاقة قرآنية" المنسوبة من حسين الحوثي للخميني، و"حدد خياره وبنى موقفه ليكون موقفا قرآنيا" الواردة في خطاب لعبدالملك الحوثي بشأن أخيه، تشير إلى استمرارية النسق الحوثي من حسين إلى عبدالملك ومدى وشائج الصلة مع المقولات النظرية للتشيع الفارسي، الكليني قديماً وولاية الفقيه الخمينية حديثاً.

وراثة المكانة الدينية تمثل ساندة رئيسية في العرف الكهنوتي العتيق، كاللاويين والهارونيين في الديانة اليهودية، وهي كذلك في تراث التشيع الفارسي، حيث شكل الانتماء العرقي لازمة دينية مرتبطة بتوجيهات إلهية.

الكليني في كتابه الكافي، الذي يعد الكتاب الأصولي والحديثي الأول في المرجعيات الشيعية الفارسية، كما البخاري لدى السنة، ينسب إلى الحسين بن علي قوله "أترون الموصي منا يوصي إلى من يريد؟! لا والله ولكن عهد من الله ورسوله لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه".

وتحت باب "أنه ليس شيء من الحق في يد الناس إلا ما خرج من عند الأئمة عليهم السلام وأن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل"، يروي الكليني عن جعفر الصادق "ليس عند أحد من الناس حق ولا صواب، ولا أحد من الناس يقضي بقضاء حق، إلا ما خرج منا أهل البيت، وإذا تشعبت بهم الأمور كان الخطأ منهم".

على ذات المنوال يقول حسين الحوثي "يجب أن نعتمد على القرآن الكريم، وعلى أهل البيت، على ورثة الكتاب".

وفي إمعان بتذويب ثنائية النص الإلهي- السلالة، يؤكد مؤسس الجماعة الحوثية "فكان علي يتحرك بحركة القرآن، بل كان في حياته قرآناً ناطقاً، وكذلك الأئمة الصادقون من أولاده ممن ساروا بسيرته".

وبمزيد من التأكيد في إضفاء مسحة إلهية إعجازية على حفظ ما اعتبرها ذرية علي كحفظ القرآن، وبتجاهل تام لحقائق تاريخية وعلمية تشير لادعاءات الانتساب، يقول حسين الحوثي "هذه آية إلهية تدل فعلاً على أن لأهل البيت دوراً مهماً في هذه الأمة، وأنهم مرتبطون بالقرآن الكريم، وأنهم حظوا برعاية إلهية، وحفظ إلهي في بقاء وجودهم، وإلا فهم تعرضوا لاستئصال عرقي فعلاً؟ حفظوا كما حفظ القرآن الكريم، ألم يحفظ القرآن الكريم؟ ما أحد استطاع أن يغير أو يبدل أو يقضي عليه. آل محمد قرناء القرآن....".

ويصل به الحال في هدم نسيج ديني ثقافي لمعظم المسلمين إلى التقليل من دور الرعيل الأول المرافق للنبي واتهامهم في إخلاصهم الديني بمقابل رفع شأن السلالة يقول: "ثقتنا بالله أنه سيجعل في هذه الأمة من بعد حياة النب

ي (صلوات الله عليه وعلى آله) منهم أزكى وأقوى وأعظم نفعاً للإسلام والمسلمين ممن كانوا في أيام النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، ما عدا الإمام علي والأقلية منهم".

العصمة

تكتمل حلقة الكهانة، بمفهوم العصمة، وبحسب نظرية ولاية الفقيه فإن الولي الفقيه يعد نائباً عن الإمام الغائب، ونيابته هذه تمنحه خاصية العصمة، وهي في أدبيات التشيع الفارسي تعتمد على أدلة عقلية، مبتذلة، ونقلية أهم أركانها ما يعرف في القرآن بآية التطهير، "إنما يريد لله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"، التي يتم تفسيرها على ثلاثة مستويات، الأول سلخها من السياق القرآني الداخلي إلى سياق خارجي مظنون يعرف بحديث الكساء، وفيه يتم إخراج نساء النبي المعنيات بخطاب "التطهير" الوارد في الآية وفي سياق الآيات قبلها وبعدها، ونقله إلى علي وزوجته وذريتهما، ثم اعتبار الإرادة في الآية كونية لا تشريعية، حسب المفاهيم الأصولية التي تجعل هذه الإرادة حاصلة بيولوجيا لا كتكليف ديني، أما المستوى الثالث فهو دمج مفهوم التطهير مع مفهوم العصمة، التي تعني القداسة وعدم ورود الأخطاء بأي مستوى ديني أو دنيوي على المعصوم.

مشكاة واحدة، عمادها الكهانة، تتحدر من أديان سابقة إلى الكليني، كأحد أهم الأعلام المرجعية للتشيع الفارسي في القرن الرابع الهجري، مروراً بنظرية ولاية الفقيه الخمينية، لتنتهي إلى الحوثيين حسين وعبدالملك في اليمن.