ادبــاء وكُتــاب


04 يوليه, 2017 03:20:11 م

كُتب بواسطة : أحمد عمر بن فريد - ارشيف الكاتب


وأنتم بصدد عقد اجتماعكم الأول في مدينة عدن عاصمة الجنوب العربي , فانكم وبلا ادنى شك تدركون أن بلادنا تمر بظروف سياسية عسيرة وأن شعبنا المناضل الصابر يمر بظروف بالغة الصعوبة على مختلف الاصعدة الاقتصادية والأمنية والاجتماعية .. ولا شك أيضا انكم تدركون تماما أن " القيادة " في مختلف التجارب الانسانية لدى مختلف الشعوب الحرة وعند مختلف التحديات والمنعطفات غالبا ما تكون لها " الكلمة الفصل " في قيادة شعبها الى بر الأمان ان هي احسنت القيادة , وفي احيان أخرى ايضا قد لا تتوفق ايضا وتخفق في مهامها وتتحول لهذا السبب او ذاك الى عبء على مصير شعبها وتأخذه من منعطف خطير الى آخر اخطر واصعب واعقد .

ونحن في الجنوب ... وضعنا ثقتنا فيكم واوكلنا لكم قيادة الدفة للسير بالسفينة الجنوبية الى حيث يريد لها هذا الشعب الباسل ان ترسي وتستقر , وانتم حينما قبلتم بهذه المهمة العسيرة , فلا شك انكم تدركون جيدا حجم التحديات الجسيمة التي تنتصب امامكم سواء في اطار الداخل الجنوبي او في اطار قوى الاحتلال او فيما يخص التحديات الاقليمية والدولية ! ... وهي تحديات تتطلب عقلية سياسية تتمتع بقدرة كبيرة على كيفية التعامل مع كل منها على حدة بطرق واساليب سياسية ذكية وماهرة , ويهمني هنا ان ابعث لكم هذه الرسالة المفتوحة ايمانا مني بأن التعاطي مع الشأن العام لابد وان يتسم في جميع الأحوال ب" الشفافية " والانفتاح والنقاشات المفتوحة في الهواء الطلق بعيدا عن الكواليس والغرف المغلقة. وفي هذه الرسالة سوف اتطرق الى عدد من الاستحقاقات التي اعتقد انها جديرة بالتعاطي المسوؤل من قبلكم في المرحلة القادمة لما لها من تأثير – من وجهة نظري – على سير قضيتنا الوطنية وسيرها في الاتجاه الصحيح الذي نتمناه وننشده لها جميعا , وهي كما يلي :

اولا : فيما يتعلق ببنية المجلس الانتقالي وبرامجه :

لا شك ان الظروف التي ولد فيها المجلس الانتقالي كان لها تأثير الى حد ما في قوامه وتشكيلته التي اعلنت , ولا شك ايضا ان العمل السياسي في بعده الوطني يصعب بل يستحيل أن يحقق القبول التام من قبل الجماهير بشكل " مطلق " مهما كانت الدقة والوسائل والسبل فيه , والتاريخ لمختلف التجارب الانسانية يشهد بذلك , ما يعني ان " الرضى التام " مسألة تكاد تكون مستحيلة في العمل السياسي والوطني وتبقى في جميع الأحوال مسألة نسبية ولا عيب في ذلك ابدا , ويبقى الأهم هو المضي قدما نحو تحقيق الهدف الأسمى الذي يجب ان تكون له الأولوية على اولوية تحقيق التوافق التام , وان كان هذا لا يعني بذل المزيد من الجهد لتحقيق اعلى نسبة من الرضى العام لدى مختلف القوى السياسية الجنوبية.. وعليه نتأمل منكم المضي قدما في ترتيب البيت الداخلي للمجلس من خلال استكمال باقي هياكله واجهزته على مستوى الداخل اولا والخارج ثانيا بما يؤدي الى تحقيق ما يلي :

1 – الانتهاء من بناء الهيكل التنظيمي للمجلس بما يجعله يتسم بالتماسك والانسجام فيما بين هيئاته ومهامها ويبعدها عن التصادم والتعارض .

2 – خلق نظام داخلي دقيق ومفصل يحدد المهام الفردية والجماعية الخاصة بالهيئات كل على حدة والصلاحيات في العمل الفردية والجماعية .

3 – وضع برنامج شامل ذا ابعاد سياسية وامنية وعسكرية واقتصادية واعلامية تتعلق بالمهمة الأكبر التي حددها المجلس له وهي " ادارة الجنوب " في المرحلة الحالية والعمل على تحقيق الاستقلال التام نحو بناء الدولة الجنوبية المستقلة. وهذه مسألة تحتاج الى جهد كبير وعقول ذات خبرة وتجارب كبيرة , ولكننا على يقين ان لدى شعبنا من القدرات والكوادر منهم قادرين بعون الله على تحقيق ذلك .

ثانيا : على مستوى الوحدة الوطنية الجنوبية :

عليكم ان تدركوا – واظنكم كذلك – أن العمل على خلق توافق وطني في السنيج الاجتماعي والسياسي الجنوبي يعتبر واحدا من اهم واخطر المهام التي ان نجحتم فيها فسوف توفرون على انفسكم حصانه داخليه غير قابلة للاختراق , ونحن نعلم اننا كباقي البشر التي تشكل الشعوب تتسم بوجود ثغرات وتصدعات في نسيجها البنيوي الاجتماعي والتي غالبا ما تكون قد تولدت عبر احدث تاريخية قديمة او حديثة , وفي تقديري ان فهم هذه التصدعات بطريقة صحيحة والتعاطي معها بعقلية سياسية مرنة يعتبر واحدا من اهم التحديات التي تقف امامكم , وهذا التحدي الكبير يتطلب عقلية مرنة ونفسيات كبيرة ترى الوطن بنظرة بعيدة المدى وتدرك ان معنى القوة هي في مشاركة الآخرين فيها وليس العكس ! .. فاذا ما شعر هذا الطرف الوطني الجنوبي او ذاك انه لا يملك القوة التي تملكها انت حاليا , وما يمكن لك ان تشاركه فيها او تزرع لديه الانطباع انها له ايضا ومن اجله وليست عليه او ضده , فانه كردة فعل بشرية سيعمل على خلق ما يمكن ان يقوض هذه القوة اعتقادا منه انها سوف تلغي وجوده , وهنا فانني ادعو الى تشكيل " لجنة للحوار الوطني الجنوبي " التي يجب ان تضم في قوامها عدد من الشخصيات الجنوبية المقبولة والقادرة على ادارة حوارات بناءة مع مختلف الشخصيات والقوى والشرائح الوطنية الجنوبية على مختلف توجهاتها لاقناعها بأن الجنوب اليوم وغدا سيكون لنا جميعا ولن يكون لطرف ضد آخر كما قد يتصور البعض خطأء أو كما يريد الخصوم ان يصوروه ويثبتوه في عقلية الكثير من ابناء الجنوبي على المستويين الافقي والعمودي بالقول انها دولة فلان او دولة ابناء المنطقة الفلانية .

وتتطلب هذه المهمة اعتماد حزمة من قواعد العمل الوطني يكون اساسها ان الباب الجنوبي يجب ان يبقى مفتوح على مصراعيه لكل من يرغب في مراجعة حساباته والعودة الى الصف الوطني الجنوبي , ومنها ان نبتعد عن اطلاق الصكوك الوطنية على هذا وسحبها من ذاك بشكل نهائي وقطعي يبدو في احيانا كثيرة وكأنها " الكتروني " لا علاقة له بعقلية وطنية رصينة , وهذا لا يعني عدم مواجهة من يحاول ان يعبث بخيار شعبنا وحقه المشروع في التحرير والاستقلال , ولكن ان نبقي باب العودة والمراجعة والحوار مفتوحا للجميع لأن في هذ النهج ما ينسجم مع مفهوم التسامح والتصالح الجنوبي وينسجم ايضا مع حقيقة ان الاوطان لا تبنى على الكراهية بقدر ما تبنى على المشاركة الحقيقية وعلى المحبة والاحترام .

ثالثا : على مستوى الحوار مع الاشقاء في العربية اليمنية :

تعلمون ان قوى الاحتلال ونخبها السياسية والاعلامية قد تمكنت من تعبئة الشعب في الجمهورية العربية اليمنية تجاه شعب الجنوب وتجاه مشروع الاستقلال , وفي هذا السياق تمكنوا من جعل شعار " الوحدة او الموت " شعارا مقدسا لديهم وهو شعار عنصري في باطنه وظاهره ايضا , حيث ولدوا من خلاله لدى الشعب هناك ما يشبه اليقين بأن حياتهم بدون الوحدة ستتحول الى جحيم وكأنها جنة حاليا وهي ليست كذلك ! مع العلم ان الشعب هناك لم ينهب الجنوب كما نهبه قادة الاحتلال ولم يجنوا مكاسب مادية تجعل من بقاء الوحدة بالنسبة لهم حياة حقيقية وما دونها موت ! وفي هذا الاطار فاننا بحاجة الى سياسية اعلامية تواجه هذا الشعار وتخلق نوع من الطمأنينه لدى الشعب في الشمال بأن استقلال الجنوب سيكون فيه مصلحة لهم ايضا , كما ان هذا لا يعني ان لا نتخاطب مع مختلف القوى السياسية الشمالية بخطاب عقلاني منطقي واثق من مضامينه وقوي ايضا , يتحدث بحقائق الامر الواقع التي يأتي في مقدمتها : عدم جواز اوفائدة او امكانية استمرار وحدة يرفضها شعب الجنوب تحت اي شعار او شكل من الأشكال خاصة وهم يدركون ذلك , والتأكيد لهم بأن المضي في انكار هذه الحقيقة الأكبر والأهم هو مضيعة للوقت وخداع للنفس وعبث بمستقبل الشعبين . كما انها في غاية الأهمية ان يطرح المجلس الانتقالي الجنوبي رؤيته لوضع الشمال بعد استقلال الجنوب من اجل الاجابة المقنعة امام المجتمعين الاقليمي والدولي على اننا معنيين بامن واستقرار جيراننا الذي هو في حقيقة الأمر سبيل لاستقرارنا في الجنوب ايضا , وذلك على قاعدة انه لا يمكن ان يتحقق استقرار لدولة في الجنوب ما لم يتحقق امن واستقرار في الشمال ايضا وانه لا يمكن ان ينعم الجنوب بالهدؤ والامان الا في حال وجود علاقات اخوية ممتازة مع الشمال مبنيه على تبادل المصالح الاقتصادية وعلى التعاون الامني والعسكري ايضا ... الخلاصة ان نمتلك رؤية تدحض مقولة اننا نختصر علاقتنا بالشمال بعبارة : هذا شأن لا يعنيني وليذهبوا الى الجحيم , كما يجب مشاركة هذه الرؤية مع الدول العربية الشقيقة وعلى راسها المملكة العربية السعودية التي تملك حدود برية مع اشقائنا في اليمن وكذلك مع دولة الامارات العربية المتحدة وباقي الدول العربية الشقيقة من اجل مساعتدتنا في تحقيقها .

رابعا : على مستوى الحوار مع المجتمعين الاقليمي والدولي

نحن بحاجة ماسة الى اعادة صياغة الكثير من المفاهيم والفهم الخاطىء للاشكالية في اليمن التي يتعاطى معها المجتمعين الاقليمي والدولي وهي صياغة يمكن أن تخرج الجنوب من الالتزام بمفاهيم جعلتنا حبيسة لها , كما انها لا تربط قضيتنا بها باي رابط خاصة بعد ان تحولت خلال المرحلة الماضية الى نوع من التعريفات العامة التي تحولت الى مسلمات ينظر من خلالها العالم لليمن لفهم اشكالياته السياسية والتي تحولت بطريقة او بأخرى الى ثوابت تعتمد على مفاهيم مثل : ( الشرعية و الانقلابيين ).. ( التسوية السياسية بين الطرفين )..( مخرجات الحوار اليمني ).. (قرارات مجلس الأمن الدولي ) ... الخ من المفاهيم التي زرعت في القاموس الدولي وجعلت من قضية الجنوب مسألة غير مذكورة او منسية أو تأتي ضمن هذه المفاهيم في احسن الأحوال . وهذه المسألة تبدو صعبة من الناحية النظرية ولكنها ممكنة اذا ما تم اعتماد رؤية سياسية لقضيتنا ذات ابعاد قانونية وشعبية معتمدين على قوة الارادة الشعبية التي تعتبر اقوى سلاح يجب علينا ان نبرزه في معاركنا القدمة . وهنا انصح ان نتجه الى احد المراكز او البيوت القانونية الدولية التي يمكن بها وضع ملف قضيتنا تحت المجهر لطرح رؤية واحدة يتم اعتمادها بشكل عام لعدة مفاهيم تتعلق بقضيتنا الوطنية .

خامسا : شكل الدولة الجنوبية القادمة :

كثير من القوى الاقليمية والدولية تتساءل عن شكل الدولة في الجنوب ناهيك عن قلق شعبي داخل الجنوب متولد من السؤال الطبيعي الذي يطلب اجابة واضحة عن شكل الدولة الجنوبية القادمة , وعلى الرغم – وهذه ميزة تحسب لنا – من ان جميع القوى السياسية الجنوبية مجمعة على انها دولة عربية مستقلة ذات نظام فيدرالي لجميع محافظات الجنوب , الا ان طرح ذلك بشكل رسمي سوف يقطع الكثير من الخطوط على خصوم مشروع استقلال الجنوب الذين يروجون باستمرار على انها دولة ستكون من الماضي الذي تسود فيه الغلبة لمنطقة على اخرى ثم لا يلبث الوضع الا ويولد صراع مناطقي ثم ينفجر في دوامات صراع مستمرة !! مثل هذه الامور تحتاج الى وضوح في الرؤية تطمئن جميع الاطراف داخليا وخارجيا ايضا .

سادسا : شراكة المجتمع الدولي في مكافحة الارهاب :

انتم تعلمون بلا ادنى شك ان الارهاب باتت لها الالولية في المكافحة على مستوى العالم , وتعلمون ايضا ان نظام صنعاء قد زرع قواعد له في الكثير من المناطق لدينا , وعلى الرغم من الجهود الجبارة التي حققت نجاحات باهرة في التعامل مع هذا الخطر الداهم الا ان اعتماد رؤية امنية وعسكرية واضحة للقضاء عليه ومواجهته مستقبلا يتعبر خطوة مهمة يتحتم ابرازها في هذه المرحلة حتى يضع العالم ثقته في المجلس ويتعاون معه بشكل رسمي .

هذه بعض المحاور الهامة التي ربم لا تكون كافية بشكل تام وكامل وانا على يقين انها هنالك محاور اخرى لا يمكن ان تفوت عليكم ... نتأمل منكم التعامل معها جميعا ونتمنى لكم التوفيق النجاح .





أحمد عمر بن فريد