ادبــاء وكُتــاب


02 أبريل, 2017 04:02:11 م

كُتب بواسطة : علي البخيتي - ارشيف الكاتب


لا أدري مدى صحة العبارة التي يرددها الكثير من اليمنيين كوصية للملك السعودي الراحل عبدالعزيز آل سعود لأولاه والتي تنص على (أن خيركم وشركم من اليمن)، والبعض أوردها بصيغة (عزكم في ذل اليمن وعز اليمن في ذلكم)، وأصبحت كالمسلمة في الوعي الباطن عند الكثير –وأنا أولهم الى ما قبل 3 سنوات تقريباً- وكأن قدر اليمن أن تبقى في صراع وحرب ومؤامرات متبادلة بينها وبين الجار الأقرب لها!!.
***
بدأت أفكر بشكل منطقي في العلاقة اليمنية السعودية بمعزل عن المسلمات التي تربينا عليها، وأخضعت القضية لبحث موضوعي غير متحيز ولا مبني على تصورات أو مواقف نمطية مسبقة، والتقيت من أجل ذلك بالكثير من السياسيين اليمنيين، عندما كنا في مؤتمر الحوار الوطني اليمني في الموفمبيك، من الذين شاركوا في حكم اليمن خلال الثلاثة العقود الماضية، ومن أبرزهم الدكتور الارياني وغيره، إضافة الى لقائي بعدد من مشايخ القبائل الذين على علاقة وطيدة مع المملكة، ويتلقون منها مرتبات شهرية عبر اللجنة الخاصة، إضافة الى قراءتي لبعض الكتب والمقالات والتحليلات والاتفاقات الموقعة، ومنها اتفاقيتي الحدود، القديمة، والأخيرة، وخلصت الى نتائج من خلالها تغير خطابي تجاه العلاقة مع المملكة، وبدأت عملياً في التنظير لعلاقة جديدة مبنية على القواسم المشتركة، وتعزز الثقة بين الجانبين، وبعيدة عن المسلمات المبنية على حتمية الصدام والصراع وكأنه قدر لا فكاك منه.
***
وحتى لا أطيل عليكم فالنتيجة التي خلصت اليها أن السلطات اليمنية المتعاقبة والنخبة السياسية عمدت الى صناعة هذا الوهم عن السعودية، لتبرير فشلها ولصوصيتها وعجزها عن تأدية واجباتها، كما أن صراعاتها على السلطة هي التي تسببت فيما نحن فيه، وعمدت تلك النُخبة لتحويل المملكة الى شماعة يُعلق عليها كل فشل، وتلصق بها كل مؤامرة، ويعزى اليها تخلفنا عن اللحاق بركب الحضارة، وهذا لا يعني أن المملكة بريئة أو أنها ملاك في تعاطيها مع اليمن، فحتماً كان لها أدوار سلبية من وجهة نظر الكثير من اليمنيين، لكن يمنيين آخرين والسعودية أيضاً يعتبرونها إيجابية، ودفاع عن النفس، بل وتؤكد أنها أتت بطلب من سلطات يعترف العالم بشرعيتها كالتدخل مع الإمامة في 62م والتدخل مع هادي في 2015م، الذي أيدته قوى سياسية وحزبية وازنة في اليمن، وفي بيانات رسمية موقعة ومعلنة، كالإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) والاشتراكي والناصري والرشاد السلفي وجزء من حزب العدالة والبناء، وبالتالي فنحن كيمنيين –أو على الأقل جزء مهم منا- السبب في كل تلك التدخلات، وهذه العلاقة طبيعية بين الدول المتجاورة وبالأخص في المراحل التاريخية التي تشهد ثورات وموجات تغيير، فلا أحد يمكنه أن يعتب مثلاً على المملكة في وقوفها مع النظام الإمامي ضد ثورة 26 سبتمبر 62م المدعومة من مصر عبدالناصر، فمن سمع خطابات الزعيم العربي العظيم الراحل جمال عبدالناصر ضد السعودية وأسرتها الحاكمة، وسعيه لإسقاط كل الأنظمة الملكية الرجعية –حد توصيفه-، يتفهم موقف السعودية من ثورة 26 سبتمبر باعتباره دفاعاً عن النفس، إضافة الى أنه أتى بطلب من سلطة شرعية في حينه، ولنقس على ذلك بقية التدخلات السعودية في اليمن، ولا أتحدث هنا عن مبررات أخلاقية بل عن مبررات سياسية واقعية تدفع لمثل تلك التدخلات، ولنا محاكمة تلك التدخلات أخلاقياً بناء على نتائجها.
***
لا مجال لاستعراض التدخلات السعودية في الشأن اليمني منذ 62م وحتى ما قبل 11 فبرير 2011م، ولا لما بعد هذا التاريخ، الذي يحتاج الى مبحث خاص به، فما أود قولة هو أن السعودية وعندما تطمئن الى أن النظام الحاكم في اليمن لا يعاديها ولا يشكل خطراً عليها ولا يرتبط بمحاور إقليمية المملكة في صراع معها فإنها لا تتآمر على ذلك النظام، بل وتتعاون معه وتدعمه بشتى الوسائل، والمتتبع لعلاقة نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح معها لأكثر من 30 عاماً يدرك هذه الحقيقة، ويدرك أن فشل نظام صالح لم يكن بسبب مؤامرات المملكة على اليمن، بل بسبب مؤامرات أركان النظام نفسه على بعضهم وصولاً الى ما نحن فيه، وكان في إمكان صالح وشركائه في الحكم تحويل اليمن الى نمر أسيوي آخر، لو كانوا يمتلكون عقل وأخلاق ووعي ووطنية مهاتير محمد مثلاً، أو السلطان قابوس في عُمان، أو الملك الأردني الراحل حسين بن طلال، حتى لا يقال أني أقارن اليمن بدول نفطية غنية فقط، فكل الدول القريبة من اليمن والسعودية –غنيها وفقيرها- نجحت عندما قرر حكامها ذلك، ولم تعترض عليها السعودية أو تشن عليها حرباً، مع أن بعض تلك الأنظمة كان قريب من ايران –بحسب تقييم السعودية- كالنظام في سلطنة عُمان، وبعضها دخل في عداء قوي وعلني مع المملكة كالنظام في قطر، والبعض الآخر فيه نظام ديمقراطي –الى حد ما- هو الأعرق في العالم العربي كالكويت، وبعضها فاق المملكة بمراحل في مجال التطور وحتى التسليح النوعي كالنظام الاماراتي، وبعضها أفقر من اليمن بكثير كالأردن بل ومحكوم من أسرة هاشمية لها ماضي صراع وحرب مع آل سعود، وبالتالي لا وجود لمبررات لفشل نظام صالح وشركائه خلال 30 عاماً الماضية أو لتحميل السعودية تلك النتيجة، فكل جيران السعودية –عدى اليمن- دول ناجحة ومستقرة، بغض النظر عن غناها أو فقرها، وبغض النظر عن كونها على علاقة جيدة مع السعودية أو لا.
***
وبناء على تلك الخلاصات التي توصلت لها بدأت في الكتابة عن العاقات اليمنية السعودية بشكل مختلف، وبعيد عن الشعارات التي تسعى لمغازلة الشارع والبسطاء من الناس، وأذكر أن أول مقال لي عن المملكة -بعد رحلة البحث تلك- كتبته وأنا لا أزال عضواً في المجلس السياسي للحوثيين في 22 نوفمبر 2014م، وتسبب لي بالكثير من المشكلات داخل الحركة، وتم اتهامي بالسعي للتقارب مع السعودية، وكأن ذلك محرم، ذلك المقال كان بعنوان: (عن العلاقات اليمنية السعودية وبالأخص مع أنصار الله "الحوثيين")، نُشر في صحيفة الأولى بتاريخ 22 / 11 / 2014م، والذي رسمت فيه مستقبل العلاقات اليمنية السعودية من وجهة نظري، ووجهت رسائل الى حركة أنصار الله (الحوثيين) بعد دخولهم صنعاء تهدف لنزع فتيل أزمة وحرب توقعتها وحذرت منها بشكل واضح لا لبس فيه منذ ذلك التاريخ، وعند إعادة قراءاتي لذلك المقال اليوم تأكدت من صحة استنتاجاتي وتوقعاتي، وسأنقل لكم بعض الجمل والرسائل التي وردت في المقال حرفياً والتي لو تم التنبه لها لما وصلنا الى هذا الحال:
- (أنصار الله بشكل خاص معنيين بتطمين المملكة وبشكل عملي أنهم لن يكونوا خنجراً في خاصرتها لصالح إيران أو غيرها، إضافة الى أنهم يعترفون ويحترمون اتفاقية الحدود الموقعة بين البلدين، كما أنه من المهم تطمين المملكة بأن الحركة الدعوية الثقافية الدينية "المذهبية" لأنصار الله لن يتم تصديرها الى المملكة).
- (اعتقد أن هناك توجه لتصعيد الصراع داخل المنطقة، وأن اليمن هي الساحة القادمة لهذا الصراع، فتصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين الغير مسؤولة والتي اعتبرت انتصار حركة أنصار الله في المعركة الأخيرة وكأنه انتصار إيراني ضد المحور الآخر الذي تقوده السعودية عززت من المخاطر وزادت من المخاوف الخليجية بشكل عام والسعودية بشكل خاص)
- (يجب أن يفتح خط تواصل مباشر بين المملكة وأنصار الله، فاستمرار التوتر سيضر بالطرفين حتماً، لأنهم من سيدفع ثمن أي صراع أو حرب مستقبلية، ولن تتضرر إيران ولا الولايات المتحدة الأمريكية من ذلك الصراع أو الحرب المتوقعة إذا استمر منسوب التوتر في التصاعد) .