ادبــاء وكُتــاب


29 يوليه, 2017 08:16:04 م

كُتب بواسطة : ياسين سعيد نعمان الشعبي - ارشيف الكاتب



الى جانبي في إحدى قاعات الانتظار في مستشفى "مور فيلد" للعيون في شمال لندن جلس إلى جانبي رجل في الخمسينات يتفحص جريدة . كان الانتظار في الطوارئ مملاً وطويلا ، كما هي العادة .
سألني الرجل ، وكان بملامح أواسط آسيا وبعيون منغولية ، غير أن الزمن ، كما يبدو ، قد غير في شكلها وأبقى على حدتها .. سألني :
من أين أنت؟
قلت له: من اليمن . وأنت ؟
قال : أنا بريطاني أيرلندي ، ولكن أصولي ancestors من قرغيزيا .
قلت له : من بلاد رسول حمزاتوف ؟
صحح معلوماتي ...
وقال : رسول حمزاتوف من داغستان . ولكن والدي كان مغرماً بحمزاتوف لدرجة أنه كان يفرض علينا أن نقرأ كل ما كتبه ، تقدر تقول ان مؤلفات حمزاتوف هاجرت مع والدي من آسيا الى آيرلندة وبقي هو جزءاً من ذاكرتنا الى اليوم .
سألني : ماذا قرأت لحمزاتوف.
قلت له : رواية "داغستان بلدي أنا" ... ومع ذلك لا أدري كيف خلطت بينها وبين قرغيزيا .
قال: في هذه المنطقة المتداخلة ، الجغرافيا حديثة .. والتاريخ والثقافة قديمين ، ولذلك غالباً ما ينشأ مثل هذا الخلط . في هذه الرواية تنبأ حمزاتوف بسقوط الاتحاد السوفييتي .
سألته : كيف؟
قال: هو لم يقلها صراحة ولكنه صور الشخصية الكامنة للقوميات التي تكون منها الاتحاد السوفييتي كقوة تشق طريقها نحو الانعتاق برفض الانصهار في هوية كبرى لم توفر لها شروط المصالحة ..
قلت له : لاحظت ذلك وهو يصور هذا الالتباس الذي يتجسد فيه كمون الهوية الأصلية كيف أن فريق كرة القدم الاوكراني كان مثلاً اذا انتصر في أي مباراة دولية يقول إنه أوكراني ، وإذا خسر يقول إنه من الاتحاد السوفييتي .
قال : كان هذا تصويراً بديعاً لتشكل الهوية القهرية التي تتحول مع المدى الى انتهازية لتحمي الهوية الأصلية في الظروف الصعبة وتفشل في أن تحل محلها .
واصل حديثه : هناك مخطوطة تنسب إليه ترجمها والدي الى اللغة الانجليزية بعنوان Love never fails , الحب لا يفشل أبداً . وهي تحكي قصة محارب انتصر بالحب ؛ فقد روض خيله الجامح بالحنان وصقل سيفه بالرعاية وحشد قومه بالعدل والوعد وهزم أعداءه بالتسامح .. قد تتغلب بالكراهية ولكنك لا تصنع بها نصراً .. الحب رديفه القوة ، أما الكراهية فرديفها الشراسة . فتش عن أي نجاح ستجد أن وراءه الحب .. حتى عندما يتعين عليك أن تكره فتذكر أن هناك "الحب" الذي إن كرهت فإنما لأجله ، وحينها فقط ستكون كراهيتك بناءة وغير مدمرة ..
انتهى لقاءنا باستدعائي لمقابلة الطبيب ووعد منه بأن نلتقي لأطلع على تلك المخطوطة التي لم تنشر