ادبــاء وكُتــاب


02 يونيو, 2020 02:59:20 ص

كُتب بواسطة : د. لؤي عبدالباري قاسم - ارشيف الكاتب



بقلم - د. لؤي عبدالباري قاسم أكاديمي ومحلل سياسي

لم ننفك لبرهة زمنية من أزمة وكارثة إلا ودخلنا في العن منها، مؤسف حالنا هذا وتاريخيا لم يهدأ له بال إلا وتشتعل نيران الغيض وبكافة أنواع ومفاهيم الكراهية والبغضاء، وما يزيد من شدة هذا الإحتدام هو قابلية بعض من الناس في توظيف ذاتهم لتوسعة رقعة الأزمات وعلى مر الزمن، وفي زمننا الحاضر نجد هولاء هم شاعلي نار الحرب الباردة بوسائل مختلفة أهمها مايحدث حاليا عبر التواصل الإجتماعي الذي أصبح أثره من الخراب والدمار ما يفوق حربا صحيحة بكامل قوتها عدة وعتادا، بحيث يعملون على صناعة الأكاذيب وفبركة الأخبار ونشر الذعر والخوف والأذى وكذلك المعلومات المغلوطة ليفهمها المواطن على أساس تحميل التقصير والأخطاء والمسؤولية للطرف الآخر وهكذا.
والعامل الآخر ألا وهو المواطن بشكل عام (والمثقف منهم بشكل خاص) الذي ما لبث إلا أن يكون مساهما في تأجيج الوضع أكثر مما هو عليه بحيث يصب الزيت نحو نار هذه الحرب دون عقلانية أو وعي يرشده للتأني ولفهم مضامين ما يقوم بتحويله وإرساله كآله للقص واللصق لهذا وذاك، وهكذا تتحول لمئات والآف وملايين من الأشخاص في كل دقيقة وساعة ويوم، وبدون مبالاة لنتيجة هذه السلوكيات كعادة المواطن البسيط في إستهتاره وتهوره للتسابق مع غيره لنيل حضوة ونشوة الفوز في الإرسال لمجرد الإرسال فقط، والعتاب الأكبر يكون على مثقفينا بمختلف تخصصاتهم ومستوياتهم العلمية وغيرها.
لأنه وهنا بالذات يكمن مفاد هذه الحرب في كونها تخلف ضررا نفسيا ومعنويا قاتلا، والأكثر من ذلك يكون إستهداف مباشر نحو مجتمع أكثر تفككا وتصدعا إقتصاديا وأمنيا وصحيا وتعليميا وحتى إخلاقيا، وكل ذلك سيؤثر مباشرة في تفكك النسيج المجتمعي حتى بلوغه حد الإحتقان والإشتعال ومن ثم الإنفجار في وجه واقعنا المليئ بالإضطرابات المسيطرة علينا بشكل عام.
فبدون دراية ولا قراءة متأنية وفاحصة لمضامين ومحتويات هذه الهجمة الشرسة أو تلك من قبل هذا الطرف أو ذاك إنما يعني ذلك الخروج عن السيطرة بلوغا لأزمات وكوارث قادمة !!.. وهكذا يظل الحال من مرحلة لأخرى حتى يتم نشر الفوضى والخروج عن السيطرة في كل مرة بحيث وفي الأخير لن يستطع أي من كان (وإن رغب) في وقف هذا السيل البركاني القاتل.
السؤال المحير للأذهان هو لماذا بالرغم من كوارثنا المحيطة بنا من كل جانب كالحرب لأعوام طويلة وما نتج عنها حتى اليوم من دمار وخراب وهلاك وقتل للإنسان، وإلى جانبها حلت علينا كوارث الطبيعة كالأمطار المدمرة وتلتها أو تزامنت معها ظهور الأوبئة الفتاكة وأخطرها مرض الكورونا المستجد بكوارثها و آثارها اليومية (خاصة الصحية والنفسية )، كما لا تفوتنا الإشارة أيضا لواحدة من أهم مشاكلنا الإنسانية ألا وهي إنعدام الخدمات وخاصة الكهرباء في مثل توقيتنا هذا من كل عام لما تعانيه عدن بالذات من صيف ناري الى جانب ما أصابها من كل ما ذكرناه وهنا تأتي أزمة الكهرباء الخانقة والقاتلة لتخلص على ماتبقى من حياة فيها، وفوق كل هذا ونحن لازلنا في تمردنا الدائم وسائرون ضد التيار مهما كانت العواقب حتى وإن تكرر حدوثها وعرفت نتائجها السلبية مسبقا إلا أننا ومع كل ذلك مصممون في عدم التعقل بل للإتجاه نحو تكرار مثل هذه الأفعال الخاطئة لإيقاع المجتمع في مصائدها القاتلة للأسف!!
هكذا تكون الحرب الباردة وهكذا يكون مبتغاها، والأهم من ذلك هو المحرض لها أو المشعل لفتيل نارها والمغذي لها!! من هو يا ترى؟!
فالحروب الباردة غالبا ماتحصد أكثر مما تحصده حروب المواجهة العسكرية المباشرة لأنه في إعتقادي من يخوض الحروب على أصولها هم أصحاب مبدأ دائما ومواقفهم لا يتراجعون عنها أي كانت صحة هذه المواقف أو المبادئ.
لكن الحرب الباردة هنا (في عدن خاصة) تعود أيضا لغياب الدولة الطويل ولأخفاق حكومتها ومؤسساتها بدرجة رئيسية بحيث وأنها تشكل جزئية هامة من هذه الأزمة السياسية والإنسانية بشكل عام مما جعلها وخاصة في الجنوب تكون (تحت التراب) عبر اطراف وعناصر لها كطفيليات الأرض التي تبتعد عن الضوء ولكنها تعمل بما يحلو لها في تلك الظلمات وتدمر وتهلك ما فوق التراب وما تحته أيضا وهي معه لا محالة، وهذا ما يقوم به البعض وبغير مهنية إطلاقا لحرق وتدمير المجتمع والمواطن المغلوب على أمره في هذا الزمن بكل ما فيه من مصائب و محن.
والمؤسف وكالعادة نجدهم يوهمون أنفسهم بأنهم بصدد عمل وطني ولكن بمقابل مادي وبوعود لا يقبلها إلا خائن متأمر أو متاجر بوطنية زائفة... كفانا حروب كما لا نريدها لا باردة ولا ساخنة عدا ما يخص الحفاظ على حرمة أراضينا وخاصة في المحافظات الجنوبية لتأمينها من أي إعتداء عليها، وأن يهتم الجيش الوطني بتوجيه مهامه العسكرية الحربية نحو اهدافه المخطط لها في تحرير صنعاء وبقية المحافظات، وأن لا ننجرف خلف مخططات يراد بها الوقيعة فيما بيننا على الأقل في وقتنا الراهن، علينا جميعا تسخير الجهود نحو الخروج من أزماتنا المتتالية والكارثية كالحرب والاقتتال والأوبئة والأمراض وحتى بعيدا من الإضرار ببعضنا ولو بالكلمة، ومع كل هذا ولما يتداوله الشارع والتواصل الإجتماعي نتوجه بالنصح لمن لديهم ملكة أو مقدرة أو مهنة الكتابة الإيجابية أن يبتعدوا عن المساهمة في إدارة الحروب الباردة بهكذا أعمال تخريبية من وجهة نظري، أو أن يعتدلوا ويسخروا مقدراتهم لما من شانه رفع قدر هذه الموهبة بأن يخطوا بها شعاع نور ليضيئ ظلامنا الذي طال أمده، ولنرى من خلالهم حجم الضرر بعين الحكمة والعقل ولنبدأ بوضع خطط الترميم والتنمية والبناء كلنا بجانب بعضنا لنستعيد الجميل من ماضينا ولنخفف من الآمنا ولنتجه نحو تحقيق بعض من أحلامنا.

د. لؤي عبدالباري قاسم