ادبــاء وكُتــاب


06 أبريل, 2017 09:01:11 م

كُتب بواسطة : علي البخيتي - ارشيف الكاتب


في أحد الأيام اثناء ما كنا نتشمس في ساحة سجن الأمن السياسي في سنة 2008م شاهدني أحد عناصر القاعدة وأنا ملتحي وبيدي مسبحة -كنا نصنعها من نواة التمر- فقال لي: يا شيخ اريد أن استفتيك في أمر، قلت له: تفضل، قال: انا تعبت من معاناة السجن، ويضيق صدري الى درجة أني أصاب باكتئاب نفسي، ولاحظت بعض زملائي يلعبون الشطرنج، ويقضون وقتهم وهم سعداء، لكن زملاء آخرين قالوا لي ان لعبة الشطرنج حرام، وانا الآن في حيرة واريد أن أتأكد منك.
قلت له وأنا ممسك بالمسبحة ولحيتي أصبحت كثيفة كشيخ دين: هل تصلي الفروض في وقتها؟، قال نعم. هل تصلي السنن كاملة؟، قال نعم. هل تقرأ ما تيسر لك من القرآن؟، قال نعم. قلت له طالما تؤدي واجباتك تجاه الله، وفروض وسنن الصلاة، فلا حرج أن تلعب الشطرنج في اوقات الفراغ، فلعبة الشطرنج رياضة للعقل مثلها مثل الجري رياضة الجسم، وهو ينمي مهاراتك العقلية، وينشط تفكيرك، ويغطي اوقات فراغك، ويبعدك عن الاكتئاب وأمراض السجن النفسية.
قال لي: البعض يقولون يا شيخ انه حرام.
قلت له لا تصدقهم، لا يوجد دليل شرعي على فتواهم.
قال: وما هو دليلك انت على ان لعبة الشطرنج حلال؟.
قلت له وأنا أجذب خرز المسبحة الواحدة تلو الأخرى: الأصل في الأشياء الاباحة والحلِية، والتحريم هو الذي يحتاج الى دليل، وبالتالي فالشطرنج حلال الى أن يُثبت من يدعي تحريمه وبالدليل القاطع الواضح الغير قابل للتأويل أنه حرام شرعاً.
المهم ان الرجل اقتنع وفرح بالفتوى ووجدها منطقية، وذهب ولعب الشطرنج مع بقية زملائه في الزنزانة، وتغيرت حياته داخل السجن، وأصبح أكثر مرحاً مع زملائه، ونادراً ما يجلس لوحدة مكتئباً كما كان يفعل سابقاً، وبعدها بأيام خرج الى الشماسي من جديد، ووجد أحد مشايخ القاعدة في السجن واسمه (إبراهيم المقري) فإذا به يسأله: يا (.....) أبلغوني أنك تلعب الشطرنج فهل هذا صحيح؟، اجابه نعم، قال له الشيخ كيف تلعب الشطرنج وهو حرام شرعاً؟، قال له يا شيخنا قد استفتيت أحد المشايخ في السجن، قال له: من هو هذا الشيخ؟. قال: الشيخ علي البخيتي الذي في زنزانة رقم 5، فقال له الشيخ إبراهيم المقري بصوت عالي: أتستفتي علي البخيتي!!، انه زنديق ماركسي علماني فكيف تستفتيه؟، فقال له: لقد اقنعني بكلامه وقال لي ان الأصل في كل شيء الحلية، وان التحريم هو ما يحتاج الى دليل، وكل من قالوا لي أن الشطرنج حلال ليس لديهم دليل.
الخلاصة أن صياحه ارتفع مع الشيخ المقري، وبحسب ما عرفت لاحقاً أنه حدث شقاق بينه وبين عناصر القاعدة في زنزانته، وبعد خروجي بسنوات وجدته صدفة في سوق لبيع القات، تأملته قليلاً فتذكرت اسمه وناديته باسمه، لم يتعرف هو علي، لأن شكلي تغير بعد حلق لحيتي، وبعد السلام عرفته باسمي وتعانقنا، وتجاذبنا أطراف الحديث، وسألته عن أحواله، فقال لي ضاحكاً بعد فتواك تصايحت معهم واختلفنا من حينها، وجاء عمي (لم أعد أتذكر بالضبط عمه أو قريب آخر) وضمنني لدى غالب القمش، وبعد خروجي من السجن ابتعدت عنهم وعدت لحياتي الطبيعية.