ادبــاء وكُتــاب


22 أبريل, 2017 06:13:35 م

كُتب بواسطة : جلال الفضلي - ارشيف الكاتب


يحكى أن رجلا في زمن ابن سينا أقنع نفسه أنه ثور، طالبا من أهله أن يذبحوه، فانقطع عن الأكل؛ لأنهم لم يلبوا طلبه، فضعف كثيرا، وأقلق الأهل والجيران بصراخه، وطلب أهله أن يتولى ابن سينا أمره وعلاجه، فأرسل ابن سينا إلى المريض من يخبره بأنه قادم ليذبحه استجابة لطلبه، فاستعد المتثور للذبح! ولما حضر ابن سينا وفي يده السكين، أمر بربط يدي المريض ورجليه، وطرحه على الأرض ليذبحه. فجس عضلاته جسا رقيقا، ثم التفت إلى أهله وقال لهم بصوت جهوري: إن هذه البقرة ضعيفة جدا، ويجب تسمينها قبل ذبحها! وعندها أخذ المتثور من تلك الساعة يأكل بشهية زائدة ليسمن، فقوي جسمه وترك وهمه وشفي من مرضه شفاء تاما.
إقناع النفس البشرية بأنها ثور معضلة عتيقة، ومرض واقع؛ وحقيقة، إلا أن متثور ابن سينا حصر معضلته في نفسه بامتناعه عن الأكل والشراب، والرغبة في الذبح للتخلص من معاناة الحياة، بينما المتثور العصري اتصف بصفات الثور الإسباني، وليت المصابين بهذا الداء أشخاص عاديون؛ لتمكنا إذن من الجلوس معهم، وأقناعهم بآدميتهم، ولكن المرض أصاب جمعا ممن ارتقى كراسي الإدارة في بلادي، فانسلخوا من إنسانيتهم وتلبسوا بصفات الثيران، وأقنعوا أنفسهم أنهم ليسوا بشرا!!!
إذا رأوا معالم التطور، والنهضة والتقدم، وكل ما ينفع المواطن، كأنما يرون عليها رايات حمراء، فتحمر عيونهم ويشتط غضبهم من رؤيتها، فيسارعون بقرونهم المستعارة لتدمير كل شيء.
ليس لهم من العمل إلا إشباع بطونهم التي لن تمتلي أبدا، وإذا سمعوا أنين الثكالى، وشكوى الفقراء، وبكاء أمهات الشهداء، ظنوها سباً وتوبيخاً لهم، وحينما يتذكرون لون الدماء التي سالت من الجرحى والشهداء، يزيد الغضب والانتقام، فما تنتظره من الثور الهائج لحامل الراية الحمراء فهو المصير المحتوم لأهل عدن.
أصبح في أعينهم على كل مواطن رقعة حمراء معلقة على ظهره أو فوق أسطحه، فلابد من صرعه ورفسه، وتضييق سبل الحياة عليه ، وإذاقته أنواع البلاء والعناء، فإلى الله المشتكى
لا يجد أهل عدن من الكهرباء إلا كَرْبَها، ولا من الموارد إلا وِرْدَها [ وهو الحمى]، ولا من الخدمات إلا سمّها.
ظن العدني أنه سيجد على كراسي الإدارة في كل مرفق ما يتمناه، ويجد النظام الذي يحلم به ويهواه، مخدوعا بكلمات رنانة: "كلنا جنوب، وثورة ثورة ياجنوب، ونحن فداء للوطن"، فتحرفت الجنوب إلى الجيوب، والوطن إلى البطن، مع تغير في الحركة؛ إذ الميزان الصرفي في عقول المتثورين غير موجود، والشوكة مائلة، فلا وزن عندهم للإنسانية فكيف يراعى وزن الكلمة، فخاب ظن المواطن المسكين، وليته رجع بخفي حنين، لأصبح من السالمين، إلا أن قصة المعاناة تلاحقه في كل مكان، في بيته، في مسجده، في شارعه في المشافي في ... في...يتمنى وجود بنك للنسيان؛ ليقترض منه جِراب نسيان؛ لعله ينسى الهموم والغموم التي خالطت دمه، وقارنت نومه وصحوه، ولكن للأسف الشديد لعل بنك الخيال بعد أيضا بلا كهرباء!!!
ماذا أقول وماذا أحكي عن مأساة مدينة يقال إنها عاصمة، وهي أقرب إلى أن تكون قاصمة وحاطمة ولاطمة، من عاش فيها ذاق معنى القصم والحطم واللطم.
ما هو الذنب الذي فعله أهل عدن حتى يعاملوا بهذه المعاملة؟ هل لأنهم كسروا الحملة الفارسية؟ أم لأنهم لا يحبون السجود لغير الله؟ أم لطيبة قلوبهم وعدم حقدهم على أحد؟
هل يريدون منهم أن يبيعوا إنسانيتهم ويصيروا بقرا؟!
هل يريدون منهم الهجرة من عدن؟!
وكأني بمعاشر القراء يقولون: من هؤلاء؟ سمهم لنا؟ وماهي المناصب التي تقلدوها؟ فجوابي: عند جهينة الخبر اليقين، فسلوا أهل عدن يخبروكم بهم، فلا ينحصر المتثورون في شخص أو شخصين، أو إدارة أو إدارتين، أو وزير أو مدير، فكل من أذاق أهل عدن من بأسه، وتخلى عن إنسانيته، وأقنع نفسه بأنه ثور فهو من القوم الذين يشقى بهم جليسهم، ولو كان مديرا لمدرسة.
يا من أقنعتم أنفسكم أنكم بقر: إنكم بشر مثلنا، وتحكمون بشرا، فارجعوا إلى عقولكم وحكّموها، واعطفوا على أهلكهم وتحببوا إليهم، فالكراسي التي ترتقونها لم تخلق لكم، فهي تُبدل من شخص لآخر، فاحذروا أن يقال كان هنا ثور يرتقي هذا الكرسي، فلا دعاء يصلكم بعد موتكم، وإنما اللعنة والدعاء عليكم من المكلومين.
أنتم منا وفينا، همنا همكم، أبناء بلدة واحدة، الكبير فينا أبوكم، والصغير منا ابنكم، فلمَ تقنعوا أنفسكم أنكم لستم بشرا؟!
هلا اقتديتم بزملائكم ممن هم على كراسي الإدارة مثلكم حافظوا على آدميتهم، وعاملوا غيرهم معاملة البشر، يدعي لهم الصغير والكبير، ويعرف حقهم الغني والفقير.
يارئيس البلاد: أترضى لأهل عدن بهذه المعاملة؟! أهكذا يرد الجزاء لهم؟! أصارت عدن فأراً للتجارب؟!
يارئيس البلاد: هل لك في معالجة من أقنعوا أنفسهم بأنهم ثيران؟! ، فإني على يأس من علاجهم، فإن ابن سينا في زماننا معدوم، ومن كان على شاكلته لا أراهم إلا في كتاب أو تحت التراب.
يارئيس البلاد: الوقوف بين يدي الله شديد، ومن نوقش الحساب عذّب، وسبة ذوي الأحقاد وأهل المصالح في الدنيا أهون من غضب الجبار على إهانة عباده، فضعوا على الكراسي من هو أهل لها ممن يحس أنه بشر ويدرك أنه يتعامل مع بشر .