ادبــاء وكُتــاب


07 يوليه, 2018 07:09:56 م

كُتب بواسطة : امين اليافعي - ارشيف الكاتب




أمين اليافعي
في 7/7 لم يتم محق ومحو أهم وأجرأ تجربة تحديثية في تاريخ جنوب منطقة شبه الجزيرة العربية فحسب، خصوصاً على المستوى الاجتماعي، بل واحدةٌ من أهم وأجرأ التجارب التحديثية في تاريخ الدول العربية والإسلامية على الإطلاق.
يوم أمس، وبالمصادفة مع هذه الذكرى الكارثية، شاهدتُ تقريراً لمراسل قناة الحرة في اليمن وهو يحدثنا عن مشاعره العارمة، وبكل فخرٍ وفرحٍ، إثر مشاهدته لمجموعة من الفتيات باتت تواظب على متابعة مباريات كأس العالم في واحدة من مقاهي صنعاء، واصفاً إياها، وبكل ثقة وطمأنينة، بالتجربة الفريدة في تاريخ اليمن... ولا أدري ساعتها عن أي يمنٍ، وتاريخها، كان يُشير إليها المراسل تحديداً، كان ذهني وذاكرتي متعبين، ومرهقين ومشتتين وغير قادرين على اسعافي بتلك المرويات التي تتحدث عن مطالبة نساء دول عربية متقدمة بحقوقٍ متساوية تشبه تلك التي تحصل عليها نساء "جمهورية اليمن الديمقراطية".. فكم يبدو هذا التاريخ بعيداً وخرافياً وهزلياً، بعيداً وخرافياً وهزلياً حتى أخمص قاع واقعنا المنحط ، ووحدها ضحكةٍ صفراء تنطعت للحظات بغير هدى أو هدف على جمرٍ لاسع من حطب هذه التناقضات والانهاكات المضنية، وحزنٌ قاتلٌ وقاتمٌ يملئُ القلب، حتى بدا كموقدٍ مثاليٍّ للدرك الأسفل من لظى!
عودة البلاد، وعلى كافة المستويات، إلى قاع التاريخ الأوطأ، وانبعاث أكثر نماذجه تخلفاً وانحطاطاً وظلامية، هو واحدٌ من الأثمان الباهظة التي دفعتها البلاد، وستدفعها لقرون عديدة، مع كل أسف وأسى.
فكل تجربة هي وليدة تراكم طويل من التجارب والتثاقف والانفتاح والاتصال والتواصل مع العالم، تراكم يمتد لعقود وربما لقرون، وعندما تأتي على تجربة وتهدمها من القواعد، فانت ستعود حتماً إلى نقطة الصفر، وربما إلى ما قبلها، فالصفر هي نقطةٌ حيادية في كل الأحوال، خصوصاً في بلاد ما زالت تعيش في كهوف ومغارات التاريخ الأكثر وحشةً وأهوالاً، وبانتشاء شديد.
ولم يكن النظام السياسي وحده من تم استهدافه واجتثاثه بعد 7/7، بل كل التجربة المراكمة جنوباً منذ عقودٍ طويلة، وبطبيعة الحال فكل الأنظمة السياسية هي طارئة في تاريخ وتجارب المجتمعات، وخاضعة للتتغيير والتبديل والسحب والطرق، ولكن من الصعب تعويض التجربة التحديثية على المستوى الاجتماعي التي كانت قائمة، ولو استعنت بالأنس والجن في مشارق الأرض ومغاربها!
"كلّ آتٍ مضى … أتى كل ماضٍ..... ضاع في كلّ رايحٍ كلّ غادي
ليست قامة الرياح جبيني.... نسي الليل رجله في وسادي"
ورحم الله بصير اليمني البردوني