ادبــاء وكُتــاب


03 أغسطس, 2018 07:20:14 م

كُتب بواسطة : هاني مسهور - ارشيف الكاتب



أبهرت دولة الإمارات العربية المتحدة العالم الذي وقف احتراماً للزعماء الثلاثة: الإماراتي والإثيوبي والإريتري، وهم يقفون على منصة الشرف، بعد أن حيتهم الجماهير الأفريقية بين أسمرة وأديس أبابا على الخطوة الجريئة التي أنهت نزاع العقود المريرة، وتسجل إثيوبيا وإريتريا تاريخاً جديداً، ليس على صعيد بلديهما فحسب؛ بل على صعيد القارة الأفريقية التي تطوي واحداً من أكثر الصراعات المسلحة، بعد أن تقدمت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بعملية الوساطة التي أذابت الجليد، وأعادت الدفء بين البلدين المتجاورين، في منجز سياسي دولي له أبعاده الواسعة.

البُعد الجيوسياسي في المصالحة الإثيوبية الإريترية يبدو هو الأهم والأكثر عُمقاً، فالبلدان يمثلان عمقاً للأمن القومي العربي، فهما يطلّان على خليج عدن وباب المندب والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وتبدو الرؤية المشتركة السعودية الإماراتية استراتيجياً في تأمين هذا الجزء الحيوي، فهو يمثل بالنسبة لدول الخليج العربية ممراً رئيسياً لحركة نقل النفط إلى الأسواق العالمية، وهذا بُعد اقتصادي رئيسي غير أنه ليس الأوحد، بل إن ثمة أبعاداً أخرى أهمها التنافس الإقليمي المتزايد على الوجود العسكري في القرن الأفريقي، فالأتراك وضعوا أقدامهم في جيبوتي، وتحاول إيران أن تجد لنفسها قدماً في المنطقة، خاصة أن هزيمتها في اليمن باتت وشيكة وإن كانت تركيا التي تمدد وجودها العسكري الخارجي منذ أن قطعت الرباعية العربية العلاقات الدبلوماسية مع قطر (يونيو 2017م)، فأوجدت قاعدة عسكرية في الأراضي القطرية ثم ألحقتها بقاعدة عسكرية أخرى في الصومال.

في الإمارات قيادة وشعب يؤمنان بقاعدة أن المستحيل ليس إماراتيا، قاعدة وضعها الآباء المؤسسون فسار بهم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، يرحمه الله، عبر تحديات صعبة، حولت المستحيلات إلى معجزات، وعندما حمل الأبناء الراية بعد آبائهم كانوا على ذات النهج والعزم والصدق
هذه الأبعاد ليست الوحيدة، فيضاف إلى ذلك أن المصالحة بين أسمرة وأديس أبابا من شأنها فتح أفق جديد في المفاوضات الإثيوبية المصرية المتعثرة بخصوص سد النهضة، هذا جانب أيضاً يجب أن يؤخذ في الاعتبار؛ نتيجة أن الرياض وأبوظبي والقاهرة باتت تحدد استراتيجيات مشتركة، بل متوائمة بين العواصم العربية الثلاث لتلعب الأدوار المختلفة في ما يحقق بالتأكيد حماية الأمن العربي بشكل مباشر.

أهدرت إثيوبيا وإريتريا سنوات طويلة في الصراع الممتد على مدى نصف قرن، بدأ بانفصال إريتريا عن إثيوبيا، ودخل البلدان صراعاً دامياً منذ 1998م عجزت المنظومة الدولية عن الوصول إلى تسوية فيه، وضحى البلدان بمئات الآلاف من أبنائهما في أتون هذا الصراع، كما أحرقت مليارات الدولارات في الصراع الذي كان من الممكن أن تتحول فيه تلك الأموال الضخمة إلى تنمية تخدم شعبي البلدين.

لقد كشفت الخطوات المتسارعة في تطبيع العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا قوة الدفع السياسية التي شكلتها السعودية والإمارات، ولتثبيت دعائم السلام وتطبيع العلاقات بين الطرفين قررت الإمارات البدء بإطلاق حزمة المشاريع التنموية في إثيوبيا؛ لتشجيعها على تحريك النمو الاقتصادي فيها، واستيعاب تحديات المرحلة المقبلة التي تتطلب زيادة في وتيرة العجلة الاقتصادية لإخراج إثيوبيا من الضائقة الاقتصادية، على أن تفتح السوق الإريترية في المقابل أبوابها التي وعد بها الرئيس أسياس أفورقي بتسليم الموانئ البحرية للشركات الإثيوبية لإعادة بنائها وتشغيلها، مما سيخلق الآلاف من فرص العمل للشعبين معاً.

هذه الأجواء تحفز من جانب آخر على قيام نظام إقليمي مختلف في القرن الأفريقي بشكل أشمل يضع في اعتباراته بعد شعوب القرن الأفريقي عن الصراعات الإثنية بكل أنواعها، فالانفتاح السياسي الجاري يجب أن ينعكس على المنطقة الأفريقية وخاصة الشرقية منها، بإصلاحات سياسية حقيقية تستوعب القوى الوطنية المختلفة فيها، وترفض محاولات إيران وتركيا كدولتين لهما أطماعهما التي تتجاوز أفريقيا إلى العالم العربي الذي تحاولا أن توجدا لهما مناطق نفوذ وهيمنة فيه.

يحتفي كل عربي بإنجاز الدبلوماسية الإماراتية التي جاءت أول تعبيراتها من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي قال نصاً: «الإمارات والسعودية داعمان أساسيان لكل جهد أو تحرك يستهدف حل النزاعات وتحقيق السلام والأمن والاستقرار، بما يَصب في مصلحة شعوب المنطقة، وتعزيز منظومة الأمن الإقليمي والدولي»، هذا النضوج السياسي يعتبر بحد ذاته استحقاقاً عربياً واعداً بمدى قدرة السعوديين والإماراتيين على إنجاز المهام الكبيرة وتفكيك النزاعات والصراعات المُعقدة، ما يرسم ملامح استقرار واستدامة التنمية الاقتصادية التي تتوق إليها الشعوب في العالم الثالث.

في الإمارات قيادة وشعب يؤمنان بقاعدة أن المستحيل ليس إماراتياً، قاعدة وضعها الآباء المؤسسون فسار بهم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، يرحمه الله، عبر تحديات صعبة، حولت المستحيلات إلى معجزات، وعندما حمل الأبناء الراية بعد آبائهم كانوا على ذات النهج والعزم والصدق، فكانوا الغوث وكانوا الصدق وكانوا الفرسان في الحرب وفي صناعة السلام.

نقلا عن "البيان"