ادبــاء وكُتــاب


18 سبتمبر, 2018 06:18:30 م

كُتب بواسطة : احمد الطحطوح - ارشيف الكاتب



انا بنشري ، وسبّاك ، ، وعملت حمّال ، وساعدت ابناء حارتي في تنظيف الشارع والحارة من النفايات التي كانت تنبعث منها روائح الموت الى انوف اطفالنا ... ولن تعاف نفسي من مزاولة اي مهنة مادامت تحميني من التسول وتبعدني عن الحرام . انا ازاول كل المهن ولكنني حرُ ، ولم اذكر اني مددت يدي لاحد او داهنت او كُنت سلعة للبيع والشراء .

انا بنشري اعيل اسرة ، وادفع حاجة قريب ، والبي مطلب صديق ، واكرم ضيف ، واستنشق نسيم الحرية من بين غبار مهنتي ...
انا لا ابيع كرامتي من اجل فلان وعلان ، ولا اتنازل عن مبادئي من اجل حفنة من المال ، فما اكسبه من مهنتي يغنيني عن الانكسار والانبطاح والتبعية . و لا ابالي ان تُحتقر المُهن ، ولا عير ذلك السلوك اي اهتمام ، بل اني ازاد تشبثا ببنشريتي ، كلما شاهدت المتسولين واللصوص يتصدرون المشهد ، ورأيت الضمائر تُباع وتُشترى فوق الارصفة ! فكلما لاذ اصحاب السلوكيات المشبوهة بسلوكياتهم ، لذت بمهنتي وعانقتها بحرارة .

كثيرة هي المرات التي حمدت الله فيها انني بنشري ، لاسيما خلال ما عاينته من تساقط لهامات كنت اظنها لن تسقط ، ولكن القرش الاحمر اسقطها ! حمدت الله على بنشريتي وانا اقف على مشهد ذمة مسئول ترتهنها حزمة من الريالات ، وحمدت الله على بنشريتي وانا اقف على مشهد لرجل اكاديمي يتسول على ابواب ارباب السلطة ، حمدت الله على بنشريتي وانا اقرا عن مشاهد زواج القاصرات وغير القاصرات تحت مسميات مختلفة ( سياحي ، مصياف ، مسيار ) وكله من اجل الحصول على المال ، الذي تبقى بعده اثار لايستطيع المال معالجتها ، وحمدت الله على بنشريتي وانا اشاهد رجل يجلده الشيخ لانه لم يوف بما عليه من اتاوه ...! فالحمد لله ان جعلني عفيفا كريما في هذه المهنة .
انا بنشري وافتخر لانني ومنذ ان عملت في هذه المهنة الشريفة ، لم تعد اسرتي تحتاج للمعونات ، او تنتظر طارق الاغاثات ، فقد اغناها الله بي .

حكايتي مع مهنتي المحببة حكاية حب وود لاتوصف ، ولن تغيرها غبرات الايام والليالي ، كيف لا وانا واخوتي قد تربينا وتعلمنا واكملنا مراحل الدراسة ونلنا اعلى الشهادات ، على نفقة والدنا البنشري ، الذي لم اذكر ان احدنا احتاج لاحد غيره ، او وقف يسال احد او يطرق باب احد .

تركت شهادات الجامعة ، واتجهت الى البنشر ، وتركت المحابر والاوراق ، وصادقت الاطارات والزيوت وقطع السيارات ، لاني وجدتها الاوفى والابقى مع تحولات الزمن خصوصا في بلد تحكمها القطعان ، ويتحكم بعقول شبابها اما مشعوذ او صاحب هوى ، بينما تبقى النخب المثقفة منسية ومشغولة بمعالجة ظروف العيش ، والبحث عن لقمة الاستمرار في الحياة .

انا بنشري ومن اراد ان يعرف عني اكثر ، فليسأل جبهات القتال في عدن ولحج والضالع ...
انا بنشري ومن اراد ان يعرفني اكثر فليسأل اسر الشهداء والجرحى ...
انا بنشري اتواجد اينما تتواجد محافل الشرف ، ومواقف الناموس ، وملاحم الكرامة .
انا بنشري ، انا من يافع .