اخبار وتقارير

السبت - 13 يوليه 2019 - الساعة 05:18 م بتوقيت اليمن ،،،

تحديث نت/خاص

لم يندلع الصراع المسلح بين الشمال والجنوب في حرب صيف 1994 دفعة، واحدة، وإنما ظلت درجة التصعيد تتزايد بمعدلات متسارعة.

وبدأت عملية التصعيد تأخذ شكلاً شديد الخطورة، مع اندلاع اشتباكات عنيفة بين اللواء الثالث المدرع الجنوبي، المتمركز في منطقة عمران، والفرقة الأولى المدرعة الشمالية، التي يقودها آنذاك العقيد على محسن الأحمر، الأخ غير الشقيق للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح. وقد تطورت الأحداث إلى قتال مرير بين الطرفين، استمر حتى 30 أبريل 1994.

ثم هدأت المعارك، في منطقة عمران، بعد تدمير كلٍ من اللواء الثالث المدرع الجنوبي، واللواء الأول المدرع الشمالي. وقد أسفر القتال عن وقوع خسائر في الجانبين، قدرت في المتوسط، طبقاً لتقديرات مصادر محايدة، تدمير أكثر من 150 دبابة، ونحو 22 عربة مدرعة، وما يزيد على 200 قتيل، وما يراوح ما بين 250 إلى 300 جريح، وإلحاق الأضرار في نحو 159 منزلاً في منطقة عمران القريبة من ساحة الاشتباكات، فضلاً عن وقوع نحو 400 في الأسر، إضافة إلى لجوء الجزء الأكبر، ممن تبقى من جنود اللواءين، إلى القبائل المناصرة له في المنطقة.

وفي الوقت الذي انفجر فيه الموقف في منطقة عمران، بدأ التوتر في منطقتي ذمار، وأبين، حيث بدأ الشماليون، إجراء تعزيزات حول جبال أنس، في محافظة ذمار، لتطويق لواء باصهيب الجنوبي المتمركز هناك, كما تصاعد احتمال قصف القوات الجنوبية، معسكر لواء العمالقة الشمالي، المتمركز في محافظة أبين، قرب عدن.

وفي أعقاب هذا الاشتباك، بدأ العد التنازلي للانفجار العسكري، واسع النطاق، حيث تبادل الجانبان، الاتهامات بعنف، حول المسؤول عن هذه الأحداث. وطالب الحزب الاشتراكي، بمعاقبة من أسماهم بـمجرمي الحرب والإرهاب في الشمال، الذين كانوا يخططون لإشعال الحرب الأهلية في البلاد. كما رأى الحزب، أن هذه الاشتباكات، تدلل على أن الأسرة العسكرية الحاكمة في صنعاء، وراء تفجير الموقف، لجر البلاد إلى حرب أهلية مدمرة. عقب ذلك، طوق وحاصر كل من الشماليين والجنوبيين، كل على حدة، القوات التابعة للطرف الآخر الموجودة في الجزء التابع له من الأرض ، ثم تتابعت بقية مؤشرات التصعيد العسكري على النحو السابق ذكره.

*جرح لم يندمل*

خلفيات سوداء اللون تملئ صفحات التواصل الاجتماعي كتب عليها 7 يوليو عليها قطرات دمًا حمراء انتشرت بشكل كبير لتوحي للمتابع بذكرى احتلال وغزو الجنوب في صيف 1994 ففي مثل هذا اليوم احتلت القوات الغزو الشمالية العاصمة عدن ومحافظات الجنوب ، وبات الجنوبيون يلصقون بهذه الذكرى صفات من قبيل "النكبة" أو "النكسة"، التي يرون أنها بدأت بتحقيق الوحدة اليمنية، وتوّجت باحتلال بلادهم من قبل جيش الجمهورية العربية اليمنية.

7-7 يؤكد بما لا يدع مجال للشك نهاية الوحدة وارتباطها بقوى النفوذ وتؤكد ان الانفصال بات واقع في نفوس وقلوب الناس .

"ياسر اليافعي" كتب على صفحته بالفيس بوك " في الوقت الذي يعتبره ابناء الشمال يوم تاريخي ويحتفلون فيه ابناء الجنوب يتعبرونه يوم كارثي ونكبة حلت بالجنوب وشعبه . اثبتت الأيام ان القوة لا تفرض مشاريع، ولا تصنع وحدة، صحيح فرضوا الوحدة بالدبابة لكن كلمة " دحباشي " ظلت تطاردهم في كل الجنوب . هل استطاعوا فرض الوحدة بالقوة وهم مجتمعين، على الاطلاق كانت مرحلة مؤقته التقط فيها ابناء الجنوب انفاسهم وعادوا بقوة الى الساحات لتعرية هذا النظام الذي اذاقه الله الويل والثبور انتقاماً لشعب الجنوب، منهم من قتل شر قتله، ومنهم من هو مطارد في الخارج ولا يستطيع ان يرفع رأسه في منطقته .

يؤكد الصحفي ياسر اليافعي ان القوة لم تكن يوماً من الايام اداة لتوحيد الناس، هناك ما هو اهم من وحدة القوة وهي وحدة القلوب التي يبدو على الاقل انها لن تعود لسنوات طويلة .

في 7 يوليو لم يدخل عفاش الجنوب وحيدًا، التي أدت إلى مقتل عشرات الآلاف من الجنوبيين، بل استقدم معه تنظيم القاعدة وحزب الإخوان المسلمين الذي كان شريكا فعالا في غزو الجنوب بقيادة علي محسن الأحمر، وكان هادي أحد القيادات التي تقاتل في صف الاحتلال ضد أبناء الجنوب، وبعد هذا التاريخ الأسود تعامل صالح مع الجنوب كإقطاعية خاصة بعد 7/7 وتعامل نظامه مع أبناء الجنوب بقسوة وبطريقة إستعلائية ومن العبارات التي لاتزال خالدة في ذكرى الجنوب والتي أطلقت من قبل صالح شخصياً الاتي ”
((أقسم صالح، بتحويل عدن الى قرية)) وعبارة ” الوحدة عمدناها بالدم ” وعبارة “الوحدة او الموت”.

عقب ذلك عمد نظام الاحتلال العفاشي على إنهاء الدور الحيوي لعدن وقام بعد حرب صيف 94م بإغلاق دواوين الوزارات فيها، ، و قام نظام الفيد باستخدام الوزارات ومكتب رئيس الوزراء بتغيير الوكلاء الجنوبيين للعديد من الشركات الى وكلاء شماليين مباشرة بعد حرب 1994م حتى وكلاء توزيع الصحف والمجلات الدولية تم إرسال خطابات رسمية بتحويل وكالاتهم الى الناشرين ، كما تم اهمال أحواض السفن في ميناء عدن بشكل متعمد افضى الى تدميرها وهي أول أحواض سفن جافة في الجزيرة انشأت في العام 1983م.

*فرز المواطنين طبقات*

وامر نظام الاحتلال مكاتب شركات النفط العاملة في اليمن والتي كانت قد اتخذت من مدينة عدن مقراً لها بالانتقال الى صنعاء واغلاق كافة مكاتبها في عدن، كما عملت الدولة على التمييز بشكل عنصري في تقديم خدماتها بفرض تعريفات مختلفة للخدمات الاساسية أرخص في الشمال عن الجنوب فعلى سبيل المثال مكالمة هاتفية داخل مدينة صنعاء ارخص بـ40% منها في عدن وبـ50% عنها في المكلا كما أن سعر الكيلو وات/ساعه من الكهرباء في الشمال للبيوت السكنية او للأغراض التجارية والصناعية ارخص عنها في الجنوب بفروقات تتجاوز الـ30%.

وتعاملت بشكل تميزي مع أبناء الجنوب في التوظيف الحكومي حيث خفضت نصيب الجنوب من الوظائف الى اقل من عدد الموظفين الجنوبيين المتوفين والى اقل من ثلث عدد المتقاعدين قانونيا .
 
*شاهد على الحرب*

ووصف الصحفي المغربي توفيق جازوليت كبير مراسلي محطة ام بي سي إبان حرب صيف 94م ، تلك الحرب بالحرب غير العادلة.

وقال جازوليت في مداخلة هاتفية مع برنامج (هنا العاصمة) الذي تبثه اذاعة (هنا عدن) ان الحرب التي شنتها صنعاء على عدن انتهت في يوم السابع من يوليو ولكنها في حقيقة الواقع انهت الوحدة بالواقع الملموس.

وأضاف إن الوحدة في نهاية المطاف لم تهدف إلى وحدة مع طرف ند وانما هدفت إلى ضم الجنوب للشمال، معللا ذلك من خلال تنصل رئيس الشمال علي عبدالله صالح عن تطبيق مقتضيات الوحدة.

ووصف جازوليت المرحلة التي يعيشها الجنوب اليوم بالخطيرة وقال: " ان الجنوب اليوم يمر بمنعطف خطير، وان الجنوب اليوم يشهد تضامن من بعض دول الجوار كدولتي السعودية والامارات إلا انه على الصعيد الدولي يشهد غياب وانه لابد من اقناع الأمم المتحدة بالحق الجنوبي.

وشدد جازوليت كمراقب للواضع في الجنوب على ضرورة تقوية الجبهة الداخلية .. مضيفا: كلنا يدرك حجم الشعبية التي يتمتع بها المجلس الانتقالي الجنوبي ، لكن انصح بضرورة اشراك جميع المكونات الجنوبية الأخرى كجزء من خطة تقوية الجبهة الداخلية.

واستعرض جازوليت طرق منح حق الشعوب في الانفصال وقال ان الجنوب لو أراد ان يعود لسابق عهده فلابد ان يمر بمراحل أولها حكم ذاتي والاستفتاء ومن ثم استعادة الدولة.

وصف نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي هاني بن بريك يوم السابع من يوليو بانه يوم انتهاك الحرمات و اليوم الذي ماتت فيه الوحدة.

وقال بن بريك في تغريده له على تويتر:السابع من يوليو يوم ازداد فيه الجنوبيون يقينا بأن الوحدة ماتت إلى غير رجعة، يوم زاد من قوة الجنوبيين ووحدهم وقوى عزيمتهم وصارت عقيدة في كل بيت جنوبي تغرس في كل طفل أن هذا هو يوم انتهاك الحرمات والمقدسات كيوم القبطان هنس 19 يناير 1839م. 

واختتم بن بريك تغريدته قائلا:مرت السنون والجنوبيون على موعد انبلاج الصباح




*صدمة مابعد الغزو*

وإثر انجلاء دخان المعارك في يوليو 1994م، صحا الجنوبيون على واقع لم يألفوه ولم يراودهم حتى في أسوأ كوابيسهم، فقد تحولت مصانعهم ومؤسساتهم الاقتصادية، والمنشآت الثقافية والتعليمية والصحية ومزارع الدولة والتعاونيات الزراعية، ومحطات تأجير الآلات الزراعية، إلى ملكيات خاصة لأفراد من القيادات السياسية والعسكرية والدينية الشمالية.

وتوالت قرارات المنتصر فتم تسريح (ثمانين ألف جندي وضابط) من القوات المسلحة وأجهزة الأمن الجنوبية، وتسبب الاستيلاء على المؤسسات الاقتصادية وتملكها من قبل نافذين، أو من خلال قرار غير مسؤول، بإعادة المؤسسات المؤممة إلى الملاك السابقين، أو بواسطة التفريط الكبير الذي تم تحت غطاء ما عرفت بـ "الخصخصة"، فقد أكثر من ثلاثمائة ألف عامل وموظف مصدر عيشهم الوحيد.

*تجاهل المطالب الحقوقية للعسكرين حوّلها لحركة تحررية*

كل هذا مورس في حق المؤسسات الجنوبية فقط، وكأن الجنوب دولة أخرى وليس طرفاً في إقامة الجمهورية اليمنية، وأن ممتلكاته وكوادره هي جزء من ممتلكات وكوادر الدولة الموحدة، الأمر الذي رجّح وجهة النظر القائلة بأن الوحدة قد قُتلت بالحرب، وأن الجنوب في الواقع، أصبح تحت الاحتلال اليمني.

ولا يجب إغفال المحاولة الهامة التي بذلها عدد من الأعضاء القياديين (الجنوبيين) في الحزب الاشتراكي اليمني، على رأسهم د.محمد حيدرة مسدوس، ود.عبدالرحمن الوالي وعلي منصر وآخرون، والذين دعوا، بعد أن أدركوا المنزلق الخطير الذي تسير إليه الأمور بعد انتهاء الحرب التي شُنت على الجنوب، دعوا لتبني رؤية سياسية مشتركة تهدف إلى تلافي الانهيار الحتمي للوحدة الطوعية بين طرفيها في حال استمر الطرف الشمالي في نهجة لتصفية أي وجود مادي أو معنوي للجنوب، وأطلقوا عليها تسمية مشروع "إصلاح مسار الوحدة اليمنية " ولكن لم يلق القبول لدى قيادات الحزب الاشتراكي (الشمالية)، وكذلك من تحالف الحرب، (المؤتمر الشعبي العام و التجمع اليمني للإصلاح)، وكانت تلك محاولة جادة لإنقاذ الوحدة من الانهيار التام، إلا أنها وئدت قبل أن تثمر عن شيء ذات قيمة، ولم يبق منها سوى التسمية، أما المؤسسين فقد حملوا إحباطهم وتجربتهم إلى صفوف الحراك السلمي الجنوبي.

وقد نجحت الوعود الكاذبة بالإصلاح ووقف الانهيار والنهب في تأخير ردة الفعل الجنوبية الغاضبة والرافضة لهذه الممارسات لبعض الوقت، لكن عدم تحقق أي من الوعود، وتفاقم المعاناة، أديا إلى بدء أولى حركات الاحتجاج المعلنة والتي نظمها العسكريون المقاعدون قسرياً في عدن، بمبادرة من مجموعة منهم على رأسها العميد ناصر علي النوبة، وكان ذلك إضافة مميزة للمشهد الجنوبي، حيث يتولى العسكريون قيادة وتنظيم النضال المطلبي لشعب الجنوب، في حين وقفت اللجان النقابية المعنية بالدفاع عن العمال وحقوقهم، والمنتشرة في كل المؤسسات، موقفاً متفرجاً ولم تحرك أي منها ساكناً للدفاع عن منجزات ومكاسب العمال والموظفين البسطاء، رغم ما كانت تتمتع به من سلطة ونفوذ في دولة الجنوب، ويعزى ذلك ببساطة إلى أن كثير من القيادات النقابية أو الأعضاء في اللجان النقابية كانوا من ذوي الأصول الشمالية الذين حملهم الجنوب على أكتافه ووفر لهم التعليم والسكن والوظيفة، ولكنهم اختاروا، فيما يبدو، الانحياز لأصولهم الحقيقية، وأداروا ظهورهم للجنوب ودولته الوطنية الديمقراطية، في ساعة المحنة.

وفي نهاية لقد تحول شعار المسيرات السلمية للحراك الجنوبي: "إما استعدنا الكرامة أو موت وسط الميادين" إلى فعل ميداني قوي تحولت من خلاله هذه المجموعات الموزعة من الشباب المقاوم إلى تيار عاصف: المقاومة الجنوبية التي جرعت ولازالت تثخن جسد العدو بالجراح والخسائر التي لا تعوض.

بدأ الحراك الجنوبي سلمياً وتحول إلى مقاومة
عسكرية منظمة وباسلة تذود عن الأرض والعرض.