تحقيقات وحوارات

الجمعة - 13 سبتمبر 2019 - الساعة 11:24 ص بتوقيت اليمن ،،،

تحديث نت / خاص .


كانت قطر محورَ اهتمام حلقة نقاشٍ، عُقدت بتاريخ 10 سبتمبر الجاري. أعدّ لهذه الفعالية مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط (POMED)وهيومان رايتس ووتش، واتخذت عنوان “الوضع الداخلي والخارجي في قطر: الأجندة السياسية وحقوق الإنسان والسياسة الخارجية”. وكما هو متوقع، فإن المناقشات لم تقتصر على تقييم الأوضاع الداخلية في قطر، بل امتدت إلى علاقاتها بجيرانها الإقليميين.


ستيفن مكينيرني



بدأ النقاش بمقدمةٍ قصيرة للمدير التنفيذي لمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، ستيفن مكينيرني، الذي عبر عن شعوره بالدهشة حيال الفارق الكبير بين وضع قطر حين زارها عام 1999، حيث لم يكن هناك أمريكي واحد يعرف شيئًا عن هذه الدولة الخليجية الصغيرة، وبين الوضع الحالي حيث لا يذكر اسم قطر إلا ويُثار معه عاصفة من الجدل والمواقف المتضاربة.



الإصلاحات القطرية مجرد “وعود زائفة”

كانت أندريا براسو، نائبة مدير مكتب منظمة “هيومن رايتس ووتش” في واشنطن، أول المتحدثين حيث بدأت بالتأكيد على حقيقة مهمة من وجهة نظرها، وهي أن قطر تعمل بكل طاقتها على تصدير صورة جيدة عن نفسها، وفي سبيل ذلك تسلط الضوء على بعض الإصلاحات أو على أقل تقدير تحاول تصدير نفسها باعتبارها الدولة التي لا تكف عن إصلاح أوضاعها.


وتحدثت براسو عن الإصلاحات المتعلقة بملف حقوق الإنسان.

واعتبرت براسو أن قطر من وجهة نظرها لا تمثل الآن سوى فم كبير مليء بالوعود ويد عاطلة عن العمل، اللهم إلا عدد يسير للغاية من الوعود التي تحققت على أرض الواقع، وهو ما دفعها للتأكيد على أن الوضع الداخلي في قطر، فيما يتعلق بحقوق الإنسان، لم يشهد أيّة إصلاحات مهمة.

مثال آخر عن المواقف الزائفة، هو الموقف القطري من مسلمي الإيغور حيث حاولتِ الدوحةُ استخدامه لتحسين صورتها، فقد أيدت الصين في سياستها ضد مسلمي الإيغور حين أودعت الأخيرة مئات الآلاف منهم في معسكرات لإعادة التأهيل، تابعة للحكومة الصينية الشيوعية، لكن ما حدث بعد ذلك هو أن قطر تراجعت عن موقفها، خصوصًا مع تصاعد حدة الاحتجاجات على موقف الدوحة.




أندريا براسو



وربما لا يكفّ الناس عن الحديث حول الوضع المتأزم للمرأة في المملكة العربية السعودية، لكن ما لا يعلمه الكثيرون هو أن المرأة القطرية تعاني وطأة الوصاية كذلك، حيث يتجلى ذلك التمييز ضد المرأة في بعض التشريعات، مثل التشريعات المتعلقة بحق المرأة في التملك، وحقها في اتخاذ قرار الطلاق، هذا إلى جانب التشريعات التي تجرم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، حيث يلاحظ أن كل هذه القوانين لا تصب في مصلحة النساء، وتتسم بالتمييز ضدهن، ولعل الشيء الوحيد الذي يمكن أن يحسب لصالح الحكومة القطرية في هذا المجال، هو كونها لا تقوم إلا نادرًا بتطبيق العقوبات المنصوص عليها في قانون الزنا، وذلك على الرغم من أنها لا تتوانى في إجراء الملاحقات القضائية للمتهمات في تلك القضايا.



حقوق العمال المهدرة في قطر


عبرت المتحدثة الثانية وهي مارتي فلاكس، نائبة مدير مركز Business and Human Rights Resource Centre. وهي شركة مهتمة بمجال أخلاقيات السوق، عبرت عن أزمة تأخر الأجور في قطر، إذ أصبح من الشائع هذه الفترة أن يتم تأخير الأجور هناك أو عدم تقاضي العاملين أجورهم من الأساس، وهو ما يتسبب في معاناة الكثير من الأسر، في ظل عدم القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية.

وهنالك أزمة أخرى يعانيها المقيمون في دولة قطر، وهي الحدّ من حرية التنقل، حيث يعاني الأجانب القادمون للعمل هناك من مصادرةِ أرباب الأعمال لجوازاتهم، وهو ما يضع الموظف تحت رحمة صاحب العمل، وليست هذه هي المشكلة الوحيدة التي يعانيها الموظفون الأجانب في قطر، بل يُذكر أن الكثيرين من العاملين في بناء الملاعب المراد تجهيزها لكأس العالم 2020 قد لقوا مصرعهم نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، وعدم توافر التجهيزات اللازمة لحمايتهم.


مارتي فلاكس


وأشارت إلى بعض الإصلاحات التي تتبناها قطر في هذا الصدد، ومنها الاتفاقية التي قامت قطر بتوقيعها مع منظمة العمل الدولية في نوفمبر 2017 والتي تضمنت تخفيفًا لقيود حرية التنقل للعاملين، لكن حتى الآن لم يتم الاتفاق على التخلص منها بالكامل. وهناك أيضًا بعض القيود الأخرى التي يعانيها العاملون الأجانب في قطر، من بينها تقييد حرية العامل في تغيير وظيفته، وعلى الرغم من التخفيف الذي حدث مؤخرًا في هذا الشأن فإن المشكلة ما زالت قائمة وبشدة، وإذا وضعنا هذه المشكلة إلى جانب العقبات التي تحول بين تكوين النقابات المهنية، فإن الشركات الرأسمالية لا تجد ما يحول بينها وبين إساءة معاملة موظفيها، باختصار لا يجد العامل فرصةً للانتقال إلى مكان آخر إذا تعرض لإساءة المعاملة. ولفتت فلاكس إلى الاحتجاجات التي اشتعلت الشهر الماضي اعتراضًا على الأوضاع السيئة للعاملين، والشيء الوحيد -بحسب فلاكس- الذي يمكن أن نحتسبه لحكومة الدوحة في هذا الشأن هو أنها لم تتدخل لفض المظاهرات بالقوة.

وفي نهاية مداخلتها أضافت فلاكس: “هناك الكثير من القضايا المعلقة التي ينبغي حلّها أولًا قبل أن نصف قطر باعتبارها مكانًا مقبولًا للعمال”.

قطر تصدر خطابَ الكراهية

من جانبه، اتهم ديفيد وينبرج، مسئول العلاقات الدولية في رابطة مكافحة التشهير، اتهم قطر باعتبارها من بين أكثر بلدان الشرق الأوسط معاداة للسامية، حيث يضعها وينبيرج في المرتبة الثانية بعد إيران والسلطة الفلسطينية بشقيها (حركتي فتح وحماس)، وتسبق السعودية في تصدير الخطاب المعادي للسامية.

وكما يرى وينبيرج، فإن معاداة السامية أمر منتشر للغاية في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يدفع الرابطة إلى تضييق نطاق اهتماماتها، حيث تهتم قبل كل شيء بخطاب الكراهية الموجه لليهود من قبل الحكومات.

وبحسب وينبيرج، تعتمد قطر على الكتب الدراسية في نشر الخطاب المعادي للسامية والتأصيل له، فهذه المناهج الدراسية التي تستخدمها قطر لتعليم الأطفال لا تتضمن أي شكل من أشكال التسامح مع الديانات الأخرى، حيث تصف الديانات الأخرى باعتبارها في حالة حرب دائمة مع المسلمين.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يذهب واضعو المناهج الدراسية إلى تكفير الشيعة، وكذلك يتم توصيف اليهود باعتبارهم يحكمون العالم عن طريق جماعات سرية، بالإضافة إلى النظرة القديمة نفسها والتي تتحدث عن نظريات المؤامرة الصهيونية. لكنها وبالرغم من ذلك لا تتوانى عن وصف اليهود باعتبارهم ضعفاء ومثيرين للاشمئزاز، يقول وينبيرج: “لا أظن أنه بإمكان قطر نفي دليل مثل مناهج التدريس الموجودة بين أيدي الطلاب”.

ويندهش وينبيرج من حالة التشوش في قطر، فإذا كانت المناهج الدراسية القطرية تصدر خطابًا للكراهية، فإن قطر تحاول تصدير صورتها بأنها تتبنى خطوات على طريق التسامح الديني، حيث تم بناء 9 كنائس مسيحية في الفترة الأخيرة، وفي الوقت نفسه، يتم السماح للهندوس والبوذيين والبهائيين واليهود بممارسة شعائرهم الدينية بشكل شخصي.

الصورة إذن قد تبدو مشوشة، وفقا لوينبيرج، حيث نجد قطر، من جانب، تصدر هذا القدر من معاداة السامية إلى جانب إتاحة الحريات الدينية، غير أنها من جانبٍ ثالث لا تتوانى في تصديرها لداعيةٍ ديني متزمت مثل يوسف القرضاوي، وتضعه على رأس سلطتها الدينية. ومن المعروف عن القرضاوي كونه أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وهو معروف كذلك ببعض الفتاوى المثيرة للجدل كتحليل وإجازة العمليات التفجيرية الانتحارية. وعلى الرغم من أصوله المصرية، لم يتوانَ أمير قطر عن دعوته للجلوس إلى جواره في موائد الإفطار لمدة خمس سنوات متتالية.


ديفيد وينبرج


واستطرد وينبيرج في الحديث عن القرضاوي ليسرد أحد المواقف التي لفتت نظره هذا العام، حدث ذلك عقب أحد الإفطارات الرمضانية التي لقي فيها القرضاوي تكريمًا خاصًا من الشيخ تميم، حيث قام الأخير بتقبيل القرضاوي على جبهته، في إشارة ضمنية إلى رغبة الدولة في الحصول على بركات القرضاوي، وكذلك مباركة الدولة للقرضاوي باعتباره رأسًا للسلطة الدينية، وما حدث بعد ذلك هو قيام الأخير بنشر مقال في الصحيفة الرسمية القطرية يصف فيه اليهود بالقردة والخنازير.


وانتقد وينبيرج الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الذي اعتاد القرضاوي تولي رئاسته لأعوام طويلة وبمباركة قطرية، حيث يمكن وصف هذا الكيان بالأكثر تشددًا من بين كل المؤسسات الدينية الخليجية، وأضاف وينبيرج: “حتى الرجل الذي خلف القرضاوي في رئاسة الاتحاد (أحمد الريسوني) لم يتأخر عن دعم شبكة قنوات الجزيرة في محاولتها لتشويه حدث موثق تاريخيًا كمذبحة الهولوكوست”.

وواصل وينبيرج انتقاده لسياسات قطر تجاه اليهود، حيث أشار بإصبع الاتهام لمعارض الكتاب القطرية الزاخرة بالمؤلفات المحرضة على كراهية اليهود، كما شجب قيام قطر بتطبيق قانون ازدراء الأديان على نطاقٍ واسع، وذلك في الوقت نفسه الذي يشهد تهاونها في تطبيق قانون لحماية اليهود.


هذا بالإضافة إلى استضافة المساجد الخاضعة لإدارة الدولة هناك للكثير من الدعاة المعروفين بالتطرف، وانتقد وينبيرج قناة الجزيرة مرة أخرى فيما أسماه بمحاباة القناة للإرهابيين، حيث استنكر تقديم الجزيرة للإرهابيين المتوفين في هجمات إرهابية على دولة إسرائيل باعتبارهم شهداء.