عربي ودولي

الإثنين - 11 نوفمبر 2019 - الساعة 01:24 ص بتوقيت اليمن ،،،

تحديث نت | العرب


عُقد، الأحد، ملتقى أبوظبي الاستراتيجي السادس، الذي يمتد على مدى يومين في دولة الإمارات، تحت عنوان “تنافس القوى القديم في عصر جديد”، وعلى غرار النسخ السابقة شاركت هذا العام أيضا نخبة واسعة ومتنوعة من السياسيين وصانعي السياسات والخبراء الدوليين البارزين.

أبوظبي - ناقش الملتقى الاستراتيجي في يومه الأول خارطة العالم العسكرية، من خلال التركيز على التوزع العالمي للقوة العسكرية وأثر التكنولوجيا في بناء وتوزع القوة العسكرية، إلى جانب أثر سياسات التجارة والاستثمار والنقد والموارد في تحديد هذه الخارطة وصوغ التنافس المالي الدولي واستكشاف دور التكنولوجيات الجديدة، وتحديدا الذكاء الاصطناعي والقدرات السيبرانية، في إعادة تشكيل النظام العالمي. كما تم التركيز على التحليل الجيوسياسي للطاقة، والبحث في التنافس على الطاقة والطاقة المتجددة في العالم.

ويستكشف الملتقى المتواصل الاثنين خارطة توزع القوة في منطقة الشرق الأوسط وإمكانات وقيود القوة في منطقة الخليج، إلى جانب مناقشة “صفقة القرن” ودورها في إعادة صياغة الترتيبات السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط. ويختتم المؤتمر فعالياته بتحليل التنافس على النفوذ والهيمنة والقيادة في المنطقة بين ثلاث قوى إقليمية، هي إيران وتركيا وإسرائيل، إلى جانب أدوار ثلاث قوى، هي مصر والعراق وسوريا، في الترتيبات الجيوسياسية الجديدة في المنطقة.

واستمرارا للتقليد المتبع في الملتقيات السابقة، الذي يقوم على تخصيص جلسة لتسليط الضوء على سياسات دولة الإمارات، فإن المؤتمر السادس ركز على سياسات الإمارات في العصر الجديد، وتحديدا لحيازة قدرات الذكاء الاصطناعي وصناعة الفضاء.

ويأتي عقد ملتقى أبوظبي الاستراتيجي السادس استمرارا لهدف الملتقى وهو بلورة فهْم لواقع النظامَين الإقليمي والدولي وتحولات القوة فيهما.

واستعرض وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش في كلمته، خلال ملتقى أبوظبي الاستراتيجي، التطورات الإقليمية، معربا عن تفاؤله في ما يتعلق بإمكانية تحقيق تقدم كبير خلال العام المقبل.

وقال قرقاش “لقد وصلنا إلى مراحل حاسمة في النزاعات والتحديات الكبرى التي تعصف بمنطقتنا”. وأكد، خلال الملتقى الذي ينظمه مركز الإمارات للسياسات، ضرورة اللجوء إلى الحلول الدبلوماسية لتجاوز الإشكاليات العالقة.

ودعا إلى طرح الأفكار البناءة، قائلا ”إن هناك حاجة إليها الآن أكثر من أي وقت مضى من أجل خلق نظام إقليمي جديد أكثر استقرارا تستطيع فيه جميع الدول الازدهار”. وأضاف أن أي مفاوضات يجب أن تشمل دول الخليج العربي لضمان أن تكون طويلة الأجل ومستدامة.

تفاؤل إماراتي وتثمين دولي
وتكشف تصريحات قرقاش التفاؤل الإماراتي بمستقبل السلام في المنطقة وضرورة تجنب مواصلة الصراعات الإقليمية التي “لا رابح فيها”، إذْ تراهن الحكومة الإماراتية على الدور الدبلوماسي لتجاوز التوتر في المنطقة وهو ما ثمنته شخصيات دولية مرموقة مشاركة في الملتقى.

وقال السفير بوريس روج نائب رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن، إن المواقف التي عبر عنها قرقاش تؤسس لمرحلة مقبلة وجب على المنطقة والعالم أن يستعدان لها.

ورأى أن الدعوة إلى السلم باتت لغة هذه الأيام سواء لدى واشنطن والعواصم الأوروبية أو لدى العواصم الخليجية. وأضاف أن هذه اللغة تستخدمها إيران أيضا، إلا أن الأمر يحتاج إلى جرأة وشجاعة وتحويل الأمنيات إلى أعمال.

ترميم النظام الإقليمي العربي

وقالت رئيسة مركز الإمارات للسياسات، ابتسام الكتبي، إن التحالف السعودي الإماراتي يحاول إعادة ترميم النظام الإقليمي العربي.

وأشارت إلى أن هذا التحالف يسعى إلى مواجهة التحديات الجيوسياسية النابعة من القوى الإقليمية غير العربية، وتحديدا إيران، و”كذلك التحديات الداخلية المتمثلةِ بالإرهاب والفواعل ما دون الدولة والفقر والبطالة، فضلاً عن محاولة تبني نموذج جديد لبناء القوة”.

وتابعت “عليه فإنَّ من المهمِّ فَهمَ هيكلِ النظام الإقليمي الحالي في الشرق الأوسط، وطبيعةَ العلاقات والتنافس فيما بين قواه والقوى الخارجية، وماهيّةَ أدوار الأطراف الفاعلة فيه”.

وفي كلمتها، أشارت الكتبي إلى “أن إعادةَ التقييم الاستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط التي قامت بها الولايات المتحدة في مطلع الألفية الثالثة، أدت إلى حدوثِ فراغٍ وغيابِ توازن القوى في المنطقة”.

وعددت تداعيات هذا التقييم الأميركي في بروز “3 دينامياتٍ لملء هذا الفراغ الناتجِ من الانكفاء الأميركي: الديناميةُ الأولى هي محاولة القوى المنافِسة للولايات المتحدة التقدم في المنطقة، مثل روسيا والصين”.

ومثل سحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب قوات بلاده من سوريا ومراجعة استراتيجيته في الشرق الأوسط فرصة لمنافسيها الدوليين، روسيا والصين، من أجل محاولة ملء الفراغ الأميركي هناك وبناء استراتيجيات بديلة.

أما الدينامية الثانية فـ”هي محاولة القوى الإقليمية غير العربية توسيعَ نفوذها لتحقيق طموحاتها بالهيمنة على الإقليم، وأقصد هنا إيران وتركيا وإسرائيل”.

وتسعى إيران لاستغلال الانكفاء الأميركي لتهديد أمن جيرانها عبر ميليشياتها التي تخوض حربا بالوكالة ضد المصالح الأميركية عبر دعم المتمردين الحوثيين في اليمن وجماعة حزب الله في لبنان وسوريا أيضا عبر دعمها وتسليحها لنظام بشار الأسد.

وتبنت جماعة الحوثي المدعومة إيرانيا، سبتمبر الماضي، الهجمات على عملاق النفط السعودي “أرامكو”، فيما يعربد الحرس الثوري الإيراني في الخليج العربي ويهدد بشل التجارة الدولية في مضيق هرمز.

أما “الدينامية الثالثة فهي تَصدُّر قوى خليجية لتعويض تراجع الدور الأميركي، ومحاولة أخْذ زمام المبادرة الإقليمية، وهي هنا تحديداً المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات”.

“لكن لم ينتجْ عن تلك الديناميات الثلاث قيامُ حالةٍ من الاستقرار والتوازن في منطقة الشرق الأوسط”.

ومن هنا جاءت أهمية الملتقى في دورته الحالية، وهو ما أشارت إليه الكتبي بالقول إنه “يهدفُ إلى تقديمِ توصيفٍ دقيق للنظام الدولي، من حيث توزيع القوة واتجاهاتها المختلفة، وطبيعة العلاقات بين الدول الكبرى المتنافسة على اكتساب مزيد من القوة بمنظورات مختلفة أحياناً، وتوفيرِ تحليل علمي لآليات عمل النظام الدولي، وتفسيرِ الكيفية التي يُمارِسُ بها هذا النظام تأثيرَه في اللاعبين، وتحديدِ مواقعهم وأدوارهم في النظام، والتنبؤِ بتحولات النظام وسلوك اللاعبين، ونَتاجات اللعبتين الدولية والإقليمية”.

العالم في سباق تسلح جديد

وأكد مارك فينورد، مدير برامج انتشار التسلح في مركز جنيف للسياسات الأمنية، أنه وفق أحدث الإحصائيات فإن إجمالي التقدير للإنفاق العسكري العالمي بلغ 1.8 تريليون دولار، وهو ما يساوي 2.1 من الناتج الإجمالي العالمي.

وأضاف فينورد أن الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتعدى نسبة 5.5 بالمئة وبعض دول المنطقة يتعدى إنفاقها مجمل الإنفاق الحكومي.

لكن التحدي الهائل أمامنا “كيف نستوعب هذا السياق الجديد في التسلح وأنماطه مقارنة بأيام الحرب الباردة”.

ويعتقد مراقبون أن التعويل على الدبلوماسية لحل النزاعات وتوفير بيئة تعايش ملائمة يؤدي بالضرورة إلى التخفيض في قيمة الإنفاق العسكري للدول وينسجم هذا الاعتقاد مع الرؤية الإماراتية للمنطقة والعالم، وهو ما أكده وزير شؤون الدولة الإماراتي الذي شدد على ضرورة وجود نظام عالمي قائم على قواعد راسخة تلعب دورا هاما في إدارة الأولويات والتحديات في أوقات التغيير.

وناقش خبراء ومحللون دوليون في الجلسة المسائية خارطة العالم الجيو-تقنية بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وتوزع القدرات السيبرانية.

وقال د. مارك عبداللهيان، الرئيس التنفيذي لشركة “إيسرتاس” للتحليلات الاستراتيجية، إن “هناك انتشاراً واسعاً للتكنولوجيا في العالم، والملاحظ أن القدرات السيبرانية أصبحت تستخدم للتأثير في اتجاهات الرأي العام والمجتمعات، وهذا من التحديات التي تواجه صانعي القرار. فالتقدم السيبراني يتطلب الحوكمة لمنع استغلاله على نحو سلبي ومهدد لأمن البشر والمجتمعات”.

من ناحيته قال د. جان-مارك ريكلي مدير برنامج المخاطر العالمية والمرونة في مركز جنيف للسياسات الأمنية إنه “من المتوقع أن يصل عدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت في عام 2030 إلى نحو 500 مليار جهاز، ما يعني أن العالم المادي سيتحول إلى عالم رقمي. والتحدي هو كيفية التعامل مع هذا التضخم السيبراني”.

أما الدكتور جيانتيان يانج، رئيس الجمعية الطبية العالمية الصينية للعلماء، فقال “رغم أن الذكاء الاصطناعي يوفر فرصاً وطاقات هائلة، لكنه في الوقت نفسه ينطوي على تهديدات، لذا على الدول استخدامه لحماية المجتمعات واستكشاف الأنظمة المهددة لها، وحماية البنية الوطنية الحرجة من الاعتداءات السيبرانية”.