اخبار وتقارير

الجمعة - 27 مارس 2020 - الساعة 03:21 ص بتوقيت اليمن ،،،

كتب/محمود نصر شمسان ونعمان أحمد أشرف


في الأسابيع القليلة الماضية أصبح من المعتاد ان نستيقظ على أخبار مشؤومة ا بين اغتيالات وهجمات. ربما كان أصعب هذه الأخبار هو خبر اغتيال الجنود اليمانيون في مأرب عقب هجمات صاروخية لم تؤكد مصادرها. هذه ليست الواقعة الأولى التي يسقط فيها ضحايا أبرياء من منتسبي القوات العسكرية التابعة للحكومة الشرعية ولكنها الأبرز في ظل جمود سياسي وعسكري أصبح يسوده الهجمات المفاجئة. لم يعد في خاطرنا ان نتأسف أو نتحسر فقد أصبح ذلك المعتاد في اليمن بل أننا نستغرب مرور بضعة أيام من غير سقوط أي ضحايا أكانوا مدنيين عزل أو مقاتلين على أرض المعركة إثر هجمات خارجية خاطئة.
هناك العديد من الانتقادات للحكومة اليمنية والتي يصاحبها أيضا اتهامات لدول التحالف العربي، كلاهما قوى خارجية بعيدة عن الواقع المحلي. العديد من أفراد الحكومة الوطنية تقطن خارج اليمن. من الغريب فهم معطيات قراراتهم في اتخاذ الغربة كوطن، مع أنهم يدعوا أن 80% من أرض اليمن تحت سيطرتهم. الأوضاع الاقتصادية والأمنية ليست في أفضل صورة بل وفي مناطق أصبحت في غاية الخطورة. لقد اعتاد الشعب على هذه الظروف المأساوية ولكن ربما من المستحيل عليهم أن يعوا ما سبب هروب الحكومة الوطنية. يا للأسف فحالة الوطن تعبر عن مآسي كثيرة يظل أبرزها غياب الوعي السياسي وافتقار الأطراف المتنازعة لمنظومة السلام.
يظن الكثير ان الحرب هي السبب الرئيس وراء كل تلك المآسي. أمهات فقدن شبابهن في عدن جراء قصف الحوثي، أولاد فقدوا ابويهم في الحديدة بسبب الكوليرا. ابنة تنتظر اباها لكي يعود من معتقلات الحوثي في صنعاء وشاب من حضرموت يسعي جاهدا للحصول على عمل ليعيل اسرته. والمزيد في تعز تحت رحمة الخالق. لا نعرف ان كان يجب علينا أن نصلي لهم ام أن نحترمهم لثباتهم الإنساني. المؤكد هو اعتقادنا ان نسبة ليست بقليلة من المجتمع اليمني لا تزال تعيش في عصور الجهل والتخلف. وقد استخدمنا لفظ التخلف هنا نظرا لتراجعهم عن مواكبة العصر الحديث بما فيه من سباق تكنولوجي ووعي سياسية ومعرفة علمية. يظل المواطن اليمني متخلفا 50 سنة للوراء وربما أكثر ليس بالضرورة بموجب الحرب القائمة وإنما جراء عوامل تاريخية لم تحقق مطالبها المنشودة. الحرب فقط أظهرت هذا التخلف واخبرتنا مدى البؤس الذي وقعنا فيه.
لقد حارب المواطن اليمني الحكومة الإمامية في شمال اليمن تحت ظل الجمهورية والقومية العربية وفي الجنوب حارب ضد المستعمر البريطاني. لقد كانت هاتين الثورتين من أهم المنعطفات في تاريخنا بل وقد تلقينا في المدارس عن أهمية تلك الإنجازات ولكننا لم نك نعرف الكثير عن سابق هذه الأنظمة، ماهيتها وتاريخها وعلاقاتها العلمية والتاريخية والسياسية مع دول الخارج. إن التاريخ الذي أخذناه في المدارس يبدأ من الستينات ويهتم فقط بالمنجزات السياسية والعسكرية فحسب. لقد كان للإمام في صنعاء منجزات لا حصر لها وكذلك للمستعمر البريطاني في جنوب اليمن. لقد مسحت عقولنا تلك الأيام بمنجزاتها وقيادتها وتطلعاتها. منذ تلك الثورات وحتى الحين، كنا ولا زلنا آداه لقوى خارجية سواء كانت استعمارية ام فكرية سياسية. ولكن يظل اللوم لا على الثورات أو القوى الخارجية وإنما ايضا على قرار استسلامنا أمام هذه القوى وبيع سيادتنا لها. الحسرة هي على الجهل الذي لم يغادرنا والرغبة والرضى بالأمر الواقع الذي ينطوي استمرارية الاستعمارية. اليوم يتحدث الكثير عن مصطلح الاستعمارية الجديدة ((neocolonialism واليمن ليس بمنأى عن ذلك إذا قمنا بمراجعة المعطيات والحقائق منذ النصف الأخير للقرن الماضي. ثورات الربيع العربي والانقلاب الحوثي وبروز الحراك الجنوبي ليست سوى أحداث عرضت حقيقة اليمن كبلد يخضع لثوابت الاستعمارية الجديدة سواء كانت صادرة اقليمياً أو دوليا.
لا زال اليمن بجنوبه أو شماله محتفظا بصيغته كبلاد مستعمرة. ففي البدء النظام الجمهوري والماركسي كان المستبد والمستفيد الوحيد الذي أوهمنا بجلاء الاستعمار ولم يبال بتحرير عقولنا وقدراتنا ورغباتنا السياسية والاجتماعية، لقد انتهك النظامين حريتنا الاقتصادية وكرامتنا كمواطنين وأوهمنا بوجود التعددية المزيفة. اليوم اليمن يعاني من تبعات هذه الأنظمة من جمود سياسي في الجنوب وانقلاب على القوى الحاكمة في الشمال. وكما ذكرنا آنفا، فاللوم يقع علينا أيضا كيمنيون سواء في المهجر أو في الوطن، لأننا استسلمنا للجهل وللرجعية وقبلنا بحكامنا كمستعمرين ورضخنا لرغبتنا عن طريق الهروب من الأمر الواقع الى العالم الخارجي بحثا عن حياة كريمة. اليوم، لا يحتاج اليمن إلى إنهاء الحرب أو إطعام الجائعين أو إنقاذ المصابين فحسب، اليوم وقبل الغد، اليمن يحتاج الى صحوة علمية ومعرفة سياسية وتطبيق أخلاقي مبني على تعاليم الإنسانية والمساواة وليس تعليمات سيد الحوثيين أو كبير البرلمانيين. اليمانيون يجب ان يعوا ماهية تبعات الاستعمارية الجديدة وكيف تؤثر على حياتا بشكل يومي وهذا لن يحدث في غضون أشهر أو سنين. اليمن لديه مشوار 50 سنة ومن ثم سباق عالمي يجب أن يخطو فيه باستمرارية إلى جانب تحقيق السلام. المسؤولية لا تقع على أيدي البنك المركزي او رئيس الوزراء، المسؤولية هي مسؤولية كل مواطن وكل فرد في اليمن بحكم مقصده في الحياة الا وهو طلب العلم وبناء الذات وعدم الاعتماد على الغير. السلام لم يتحقق من غير ان نستفيق من غيبوبتنا السياسية والفكرية.
بكل تأكيد من أجل تحفيز الناس للتعلم والمعرفة والاطلاع والفهم، فإنهم بحاجة إلى إشباع حاجاتهم المادية الأساسية من مأكل، مشرب، ملبس ودواء. لهذا أنا لا استبعد وجوب عملية سلام حقيقة قبل النهضة العلمية والسياسية. وجود الحاجات المادية الأساسية يستتبعها خطط تعليمية تستهدف الفئة الشابة لتثقيفهم وتعليمهم وتزويدهم بالمهارات الأساسية واللازمة ليعيشوا في عالم معولم، وليلحقوا بركب الحضارة في ظل مجتمع مسالم يحافظ على أمن المواطنين ويضمن لهم سبل الحياة الكريمة بغض النظر عن اختلافاتهم وآرائهم السياسية، ولكن كما يتبدى للكثير أن هذه الحرب كانت سبباً في تهديم كل الأسس، الضعيفة أصلاً، التي كانت متواجدة؛ فهناك في صنعاء نرى نظاماً متزمتاً قد بدأ بتغيير المناهج الدراسية، وفي عدن نجد إضرابات المعلمين الذين لا يجدون رواتبهم ولا يستطيعون تقديم رسالتهم السامية، كل ذلك متضافر مع تنصل لكلا من الأطراف الموجودة على الساحة من المهمات المناطة بهم وفي مقدمتهم الحكومة الشرعية والتحالف العربي. على تلك الحقيقة السوداء ان تتغير قبل فوات الأوان.
عانى اليمنيين منذ عهد صالح وقبل الحرب من الفقر، حيث إن الفقر قد أثر في نصف السكان في اليمن بحسب البنك الدولي، وبحسب دراسة من برنامج الأمم المتحدة للتنمية، فإن استمرار الحرب سوف يجعل اليمن أفقر دولة على مستوى العالم وليس في الشرق الأوسط فحسب!!! أزمة اليمن لم تجد الكثير من الاهتمام الدولي سوى بعض تلك المقالات الفقيرة التي تفتقر إلى المعرفة المتعمقة في أصل الأزمة، ونخشى أن يصحو العالم على كارثة إنسانية لا يمكن احتواء آثارها ونتائجها.
وفي ظل تعقيدات الوضع الداخلي في اليمن، إضافة إلى التدخلات الخارجية فقد خرج جماعة من الشباب يلقبون أنفسهم بــ (الأقيال) وهي جماعة تريد إحياء القومية اليمنية ضد ما أسموهم (الهاشميين). يُذكر أن الهاشمية السياسية شكلت ما يعرف بالمملكة المتوكلية في اليمن والتي انتهت عام 1962 بقيام الجمهورية العربية اليمنية، ويعتبر (الأقيال) أن (الهاشميين) ليسوا يمنيين، بل هم متوردين قادمين من السعودية، داعين إلى إعطائهم حقوقاً منقوصة، مثل منعهم من تبوء مناصب قيادية في الحكومة. إن الهاشمية السياسية تعتمد نظاماً إقصائياً هي الأخرى، فهي تجعل من مسؤولين حكومتها ممن ينتمون وفقط إلى ما يعرف بـ (الأسرة الهاشمية)، ويرى (الأقيال) أن عنصريتهم ضرورة لمواجهة العنصرية الهاشمية. إن السلام بات ضرورة ملحة والان للحفاظ على ما تبقى من النسيج الاجتماعي اليمني. وعلى تلك الاختلافات أن تتنحى جانبا من أجل المقصد الأهم الا وهو النهوض السياسي، الاقتصادي والفكري.
وقف الحرب هو المطلب الأول والرئيس لكل اليمنيين ولكل المراقبين، ومن ثم قيام حوار وطني حقيقي بين القوى الفاعلة التي انتجتها الحرب على الأرض، وبدون أي سقف إلا ما اتفقت عليه كل تلك القوى حفاظا على استدامة السلام. يبدو ذلك أسهل قولا عن فعلا، فاليمن اليوم ليس دولة عميقة فقط بل كارثة سياسية وإنسانية عميقة أيضا. ربما يكمن مفتاح هذه الأزمة في القضية الجنوبية التي لم تلق الاهتمام السياسي او الإعلامي على حد سواء. لم تجد القضية الجنوبية حواراً حقيقياً واهتماماً واقعياً لحلها وبما يرضي تطلعات الشعب الجنوبي وبإشراف أممي. الآن، وربما أكثر من أي وقت مضى، يحتاج اليمن الى التفاعل مع القضية الجنوبية علها تكون المنجية قبل فوات الأوان.
الناس في اليمن بدأوا يرون أنه لا يمكن حل هذه الأزمة إلا من خلال فوهات البندقية وحسم الحرب لصالح أحد الطرفين؛ فالحكومة الشرعية لا زالت متمسكة بمخرجات الحوار الوطني وبشكل الدولة من ستة أقاليم، وهذا الأمر هو ذاته الذي أشعل فتيل الحرب التي شنتها مليشيات الحوثي وصالح، وفي نفس الوقت ترفض هذه المليشيات تسليم أسلحتها لحكومة هادي. سببا الحرب منذ البداية ما زالا موجودين، والحديث عن سلام في ظل تواجد السببين لن يكون إلا عبثاً. إما حلاً خارج الصندوق، وإما فرضاً للحل بالقوة العسكرية. اليوم اليمن يعيش في ظل اختلافات لا حصر لها ولكن يظل الشعب متيقنا انه لا بديل للسلام ولا استمرارية للسلام من غير هذه النهضة العلمية والسياسية. اليمن اليوم يحتاج الى أخذ زمام الأمور بنفسه من غير اللجوء الى أي قوة إقليمية أو دولية بل الى مرجعية الاستقلالية الفكرية تحت ضوابط القانون الدولي وتطلعات المجتمع اليمني بشتى طوائفه