الدكتور بليغ يكتب

الثلاثاء - 01 مايو 2018 - الساعة 11:35 م بتوقيت اليمن ،،،

تحديث نت/خاص


الأحبة الكرام سنفتتح حديثنا بمراجعة سريعة للجزأين السابقين, فقد تناولنا في الجزء الأول الخلفية العامة للأحداث التي أتت بالمبعوث الأممي لليمن السيد ( مارتن غريفيث ) وكذلك خلفيته الشخصية وما يحمله من مهارات وتجارب وقمنا بوضع بعض المهام المتوقعة له في ضوء هذه الخلفية وقد نال الجزء الأول استحسانا عاما , ثم تناولنا في الجزء الثاني لقاء ( غريفيث ) بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي في ابوظبي وما صاحبه من أحداث , وما يستنتج من هذا اللقاء , وقد أثار هذا الجزء كثيرا من ردود الأفعال بين متوافق مع ما طرح فيه وبين معارض لما طرح فيه .
وفي هذا الجزء سنتناول إفادة (غريفيث) إلى مجلس الأمن التي قدمت في 17 ابريل 2018 م ونحاول مجتهدين استقراء انطباعه العام حول الحالة اليمنية بشكل عام , وانطباعه حول مجريات الأحداث والقضية الجنوبية بشكل خاص .
وليسهل التناول سوف انقل ما أراه مناسبا من النصوص المكتوبة التي أرى لها أهمية , واعلق عليها بشكل فردي , ثم سأضع في النهاية انطباع عاما لمجمل إفادته .
النقاط كالتالي :
النقطة الأولى :ركز الجزء الأول من مقدمة (غريفيث ) وأكد على التعقيد الشديد للحالة اليمنية , وانعدام الثقة بين جميع الأطراف اليمنية , والتي أشار إليها بالسخرية المتبادلة بينهم , وقام بتضخيم صوت المرأة ودور المؤسسات المدنية في هذه المقدمة . كما أكد على أن الحل الوحيد الممكن هو الحل السياسي عبر المفاوضات . غابت عن هذه المقدمة الإشارة إلى الأطراف الإقليمية الممثلة في دول التحالف التي تقود الحل العسكري.
التعليق : يفهم من ذلك أنها إشارة صريحة إلى أن اليمنيين شمالا وجنوبا هم الوحيدون الذين يتحملون الفاتورة الأكبر في هذه الحرب وبالتالي فهم المعنيون بها أكثر من غيرهم , وان هذه الفترة هي الفترة المثلى لتقديم رؤيتهم لإنهاء الحرب في اليمن بعيدا عن تأثير دول التحالف , فالأضواء الآن مسلطة عليهم , و صوتهم مسموع وله الأولوية أمام هيئة الأمم المتحدة التي ستمنحهم الثقة حال إثبات جديتهم , جديتهم بتقديم التنازلات قبل كل شيء ( ولا ادري أيعني التنازلات لبعضهم البعض أم يعني شيئا آخر ) , وفيها تلميح إلى الأطراف السياسية الفاعلة في المشهد اليمني , بأن السخرية من قبل أي طرف نحو طرح الأطراف الأخرى يعتبر علامة على عدم الجدية , وقد تعتبر محاولة لإطالة أمد الحرب , وبالتالي ممانعة للإرادة الدولية .
تضخيم أصوات المرأة والمؤسسات المدنية هو تنبيه للأطراف السياسية بوجود بدائل أخرى حال عدم التزام الجدية وإثباتها لإيجاد حلول لهذه الحرب وإنهائها , وبالتالي فأن المؤسسات المدنية المستقلة والتي لا تتبع أطرافا حزبية أو سياسية (كحال مؤسسات المجتمع المدني الجنوبية المؤمنة بالحراك السلمي الجنوبي وقضيته ) ستجد فرصة كبيرة حال تعنت الأطراف السياسية أو فشلها .
حدد الخطوط العريضة لوضع حد لهذه الحرب في أربع نقاط هي ,إنهاء القتال , سحب القوات , تسليم الأسلحة , تشكيل حكومة شمولية , مما يعني أن أي قضايا خاصة ( بما فيها القضية الجنوبية ) ضمن جغرافيا اليمن يجب أن تحل ضمن هذا التشكيل وليس بشكل منفرد , ولهذه الخطوط محاسنها بالنسبة للثورة الجنوبية وحراكها السلمي و للقضية الجنوبية إذ أن الخطين الأولين من إنهاء للقتال وسحب للقوات أيسر على الجنوبيين منها على الشماليين , والخط الثالث من تسليم الأسلحة , يمكن للجنوبيين تغطيته بالحجة المنطقية في حق الدفاع عن النفس خصوصا مع التاريخ المكرر للقوى الشمالية نحو الجنوب , ولكن الخط الرابع والأخير الممثل في تشكيل حكومة شمولية يجعل الثورة الجنوبية والحراك الجنوبي أمام تحد صعب , لا يعرف كيف سيتم التعامل معه , إذ أن هذا الطرح قد يناسب القوى السياسية والحزبية التقليدية من الماركسيين والقوميين والإسلاميين ومصالحها وتوجهاتها وقدراتها شمالا وجنوبا( والذي جاء واضحا في قوله "لقد توصلت إلى هذا الاستنتاج العام عبر الاستماع إلى قادة الأحزاب "), ولكنه كما أسلفت سيكون تحد صعب أمام الثورة الجنوبية والحراك السلمي الجنوبي .
النقطة الثانية : أكد (غريفيث) على أهمية دور الرئيس هادي و حرصه على توضيح مجمل الوضع اليمني وحقيقته للمبعوث الاممي واستعداده للانخراط ضمن عملية المفاوضات .
التعليق :
يرى بوضوح فهم المبعوث (غريفيث) لطبيعة وأهمية تواجد الجنوبي هادي ودوره في قمة رئاسة حكومة الشرعية فقد قدم امتنانه له و أشار إليه أولا ثم الحق الحكومة به , ولكنه لم يشر إلى ماهية هذا الدور المنتظر ضمن سير المفاوضات .
النقطة الثالثة : رغبة قيادة حركة أنصار الله وحركة أنصار الله في إنهاء هذه الحرب واستعدادها للتعاون مع الهيئة الدولية لتحقيق ذلك .
التعليق : تعامل (غريفيث) مع أنصار الله قيادة و جماهيره كحركة في خطابه لا كحكومة أمر واقع , ولهذا الاستخدام تأويلات متعددة , ولكنه بذلك اقر بوجودهم في الشمال , كطرف سياسي أساسي هرمي التنظيم ومعروف القيادة و واضح في مواقفه, وصرح بان لقاءاته مع قيادة الحركة وما تلمسه من موقف منها ( شجعته ) كثيرا , ولا استطيع أن افهم كيف شجعته و في أي اتجاه؟ , واترك هذه النقطة لمشاركة الأحبة المتابعين .
أما باقي الأحزاب اليمنية فقد كان ذكرهم عابر وملحقا بأنصار الله وموقفهم.
النقطة الرابعة : عدم زيارته للجنوب حتى وقت تقديم إفادته والبدء في لقاء مجموعات جنوبية , وإقراره بأن الصراع القائم احدث تغييرات رئيسية على الأرض في المحافظات الجنوبية , وأكد على وضوح تطلعات الجنوبيين الناتجة عن احباطاتهم التي طال أمدها , واقر بشكل مؤكد و واضح بعدم إمكانية السلام في اليمن دون الاستماع إلى الصوت الجنوبي والتأكد من تضمينه في الترتيبات السياسية التي تنهي الحرب .
التعليق : لعل هذه النقطة هي الأكثر أهمية جنوبا , والتي تم تأويلها بأشكال مختلف بحسب كل طرف جنوبي ,, ولكن الأمر واضح لمن أراد أن يرى الحقيقة , فقد أشار إلى قيادة أنصار الله وحركة أنصار الله وموقفها بوضوح , لكنه هنا من وجهة نظر المؤسسة الدولية وسعيها لحل الحالة اليمنية تحدث عن البدء في لقاء مجموعات جنوبية ,وبالتالي فأن هذا يعني أن انطباعاته عن الوضع الجنوبي ليست وافية ويعني أيضا تعدد الأطراف السياسية الجنوبية وعدم وضوحها , وغياب وجود طرف جنوبي واحد قادر على التمثيل السياسي للجنوب ( وبالتالي فأن من يحاول تأويله لصالح المجلس الانتقالي فقط وحصرا , أو من يحاول تأويله لصالح الأحزاب اليسارية أو الإسلامية أو القومية المتواجدة في الجنوب حصرا , أو من يحاول تأويله لصالح الشرعية حصرا إنما يتبع الظن ) ليس فقط بما يكفل نهاية الحرب وإنما يكفل أيضا النهوض بعملية السلام والاستقرار في هذه المنطقة الجغرافية الهامة من العالم , كما أشار , ولعلها الإشارة الأهم في هذه الإفادة , إلى أن المتغيرات على الأرض في الجنوب تغيرات (أساسية ) معها لن يحل السلام في اليمن إلا بضمان تواجد سياسي جنوبي في مفاوضات إنهاء الحرب والنهوض بعملية السلام , ويعني أيضا أن أي تواجد جنوبي سياسي يراد له النجاح , يجب أن يكون مؤسسا على القضية السياسية الجنوبية والحراك السلمي الجنوبي وأهدافه ومبادئه الأخلاقية , وليس على القدرة العسكرية في مواجهة الأطراف الجنوبية الأخرى , ويعني أن مثل هذا التواجد السياسي الجنوبي وحجمه يعتمد بدرجة كبيرة على طبيعة تعامل الجنوبيين مع بعضهم البعض وقدرتهم على التعامل مع المؤسسة الدولية ومصالح الأعضاء الدائمين فيها .
النقطة الخامسة : ذكره لقول مأثور كان نصه (إن أحلك ساعات الليل سوادا , هي التي تسبق الفجر )
التعليق : أثارني ورود هذه المقولة في وسط هذه الإفادة البالغة الأهمية , وفي هذا التوقيت الحساس فهذه العبارة تعني أن هناك أملا حتى في أكثر الظروف سوءا , وهو واضح لدى الكل , ولكن ما يغيب عن كثيرين أن أول من استخدمها في مطبوعاته كان العالم والمؤرخ الانجليزي اللاهوتي توماس فيولر ( THOMAS FULLER) في كتابه الفسحة البصرية لفلسطين وحدودها ( A Pisgah-Sight of Palestine and the Thereof) المنشور في العام 1650 م .
النقطة السادسة :التأكيد على مدى الأهمية الإستراتيجية القصوى للاستقرار في اليمن للشعب اليمني ولجيرانه وللمجتمع الدولي على نطاق أوسع ,في تامين الممرات البحرية ومكافحة الإرهاب .
التعليق : هذه النقطة تتبع ما سبقها , فإذا كانت الأهمية الإستراتيجية القصوى للاستقرار في اليمن مرتبطة بجهود مكافحة الإرهاب وتامين الطرق البحرية الهامة , فأن استقرار اليمن مرتبط بشكل أساسي بسماع أصوات الجنوبيين وتطلعاتهم الواضحة التي كانت نتاج تغيرات أساسية على الأرض في المحافظات الجنوبية , والعمل على تضمينهم كطرف سياسي أساسي في مفاوضات إنهاء الحرب.
أخيرا وليس آخرا , تحمل الإفادة كثير من التغيرات في موقف المؤسسة الدولية وأعضائها الدائمين نحو الحرب في اليمن , والأطراف المحلية والإقليمية المنخرطة فيها , كما تحمل الكثير من الرسائل الواضحة نحو قضايا اليمن وقواه ,,,
هكذا نكون انهينا الجزء الثالث والأخير ...
وأترككم مع همسة : الحر تكفيه الإشارة ...
ويا ليت قومي يعلمون ...
د.بليغ اليزيدي
عشية الثلاثاء
1 مايو 2018 م