تحقيقات وحوارات

الجمعة - 01 يونيو 2018 - الساعة 11:30 ص بتوقيت اليمن ،،،

تحديث نت/وكالات

حتى أكثر الناس تشاؤمًا، لم يكن يتوقع أن تستمر الأزمة القطرية كل هذا الوقت، وأن تتعمق إلى هذا الحد. كان الناس ينظرون إلى الخلافات بين دول الخليج كخلافات عائلية، لا يمكن أن تطول مهما تباعدت المواقف، ولا أن تستعصي مهما كانت الأسباب، وأن تحل كما في أغلب التجارب السابقة دون وساطات، أو وسطاء.

هذا النمط من العلاقة كان مريحًا وسهل التفسير، لكنه لم يكن مفيدًا. ظلت الحلول تتأجل فيما الأزمات تكبر وتتضخم. كانت قطر تراهن على الأريحية الخليجية التي اعتادت احتواء الخلافات، إما بالصبر وكظم الغيظ، أو التأجيل انتظارًا للفرج. لم تكن قطر تتوقع أن تصل ردة الفعل على بعض ممارساتها، إلى هذه الدرجة من الشدة والحسم، وظلت طوال الوقت تستهين بقدرة جيرانها الأقربين، ومحيطها الأوسع في الاتفاق على مواقف موحدة، أو التوصل إلى إجراءات حاسمة.

وبدلًا من أن تأخذ مطالب جيرانها بجدية، تعاملت مع تلك المطالب كما لو أنها قوة كبرى، لا تنفذ إلا ما يتوافق مع أجندتها، وما يرضي غرورها، دون أن تحفل بهواجس الآخرين وهمومهم.

طول واستمرار الأزمة مع قطر، يعكس مدى الأذى الذي ألحقته السياسة القطرية بجيرانها، إذ لم يكن لتلك الدول أن تتخذ هذا الموقف لو أن الألم الذي سببته الدوحة لها كان محتملًا، أو أن احتواءه وتجاوزه كان ممكنًا. كما أنها ما كانت لتصر على مطالبها، وعلى موقفها الحاسم لولا أنها استنفذت، كل وسائل وأسباب التفاهم مع الدوحة.

وعلى عكس انطباعات من فوجئ باندلاع الأزمة، فإن المفاجأة لم تكن في المضمون، بل في الشكل. فالذي لم يكن معروفًا لدى عامة الناس، كان منذ سنوات متداولًا في كواليس السياسة، ودهاليز الدبلوماسية، بعيدًا عن عين الإعلام، ومنابره.

الخلاف، لم يكن خلافًا حول مصالح، واجتهادات، فالدور الذي لعبته قطر خلال تلك السنوات لم يكن تعبيرًا عن المصالح الوطنية للدوحة، بل محاولات – استثمرت فيها قطر الكثير – من أجل إعادة رسم خريطة المنطقة بالشكل الذي يمكّنها من تجاوز عقدة الجغرافيا، واستثمار هبة الغاز والثروة. في لعبة الأحجام.

كانت تظن أن مناخ الفوضى والتوتر في المنطقة، يوفر لها الفرصة التي كانت تنتظرها لتنفيذ ما رسمه خيالها، فعادت القريب، وتحالفت مع البعيد في خلط شديدٍ للأوراق، واستهانة خطرة بكل المصالح التقليدية للإقليم.

مع تحول ما رأته الدوحة فرصة، إلى سياسات، لم يعد الصمت مقبولًا، ولا السكوت ممكنًا. كان الخيار محدودًا، فإما البقاء في دائرة المراوحة والتردد حفاظًا على هياكل عمل مشترك تآكلت وعلاها الصدأ، أو التحرك إلى الأمام لضبط الإيقاع، ومنع نار الفوضى من الوصول إلى داخل البيت الخليجي. كان القرار صعبًا لكنه كان ضرويًا، وكان القرار قاسيًا لكنه كان فعالًا.

فالدوحة التي عاندت وكابرت ورفضت بشكل مستمر التخلي عن خطاب التحريض، وعن سياسات تستهدف زعزعة استقرار المنطقة ووحدتها، أدركت اليوم بعد عام من المقاطعة، أنها غير قادرة على عناد الجغرافيا، وأن الحلفاء الحقيقيين لا يمكن شراؤهم بالثروة والمال.

كشف حساب عامٍ من الأزمة، يظهر أن الدوحة كانت الخاسر الأكبر وربما الوحيد في كل ما حصل، فهي تعيش عزلة خانقة في محيطها، وكل محاولاتها لفك هذه العزلة من خلال الاستعانة بقوى إقليمية في المنطقة كانت فاشلة. فهذه القوى تعيش نفسها أزمات ذاتية مع جيرانها ومع العالم، وهي لا تملك أن تقدم للدوحة ما يعينها على تجاوز صعوبات المقاطعة وضغوطها، خاصة وأنها تحاول استثمار الأزمة القطرية، واستغلالها لزيادة نفوذها السياسي، ومطامعها الاقتصادية.

قطر بعد عامٍ من الأزمة أصبحت أسيرة خطاب أيديولوجي وظلامي متعصب ومتطرف، يفقد يوميًا صدقيته، وجمهوره، مضيفة لعزلتها السياسية عزلة شعبية تتزايد وتتسع باستمرار.

بعد عامٍ من المعاندة والمكابرة دفعت قطر من موارد شعبها، ومستقبل أجيالها القادمة، ما كانت في غنى عنه، لو أدركت أن الثروة مهما عظمت لا تصنع وحدها القوة، وأن ظلم الجغرافيا يظل أخف وطأة، من الظلم الذي يلحق بالأوطان بسبب رعونة السياسات .