الدكتور بليغ يكتب

الأحد - 15 يوليه 2018 - الساعة 10:23 م بتوقيت اليمن ،،،

تحديث نت/خاص



حسنا أيها الأحبة ...
كنا قد تحدثنا في الجزء السابق ( الذي هو الجزء الثاني ) عن فائدتين من فوائد العودة إلى السنة الإلهية في بناء المجتمعات البشرية , ألا هي القبائل التي تندمج لتصنع الشعوب , وهما بإيجاز إبقاء الضغط الجماهيري الشعبي حيا مستمرا كعامل ضغط على مصادر صنع القرار , وجعل المصالح الإستراتيجية لهذه القبائل التي كونت هذا الشعب معيار للقياس واتخاذ المواقف العامة , مع شواهد لهما .
واليوم سنتناول فائدة ثالثة ألا وهي أن العودة إلى سنة القبيلة التي تتجمع مع بقية أخواتها لتصنع شعبا , تؤدي استنادا إلى طبيعة الروابط الاجتماعية بين هؤلاء الأفراد إلى تشكيل نواة أساسية للانتماء , وهذا الانتماء هو الذي يعمل على الدفاع عن الهوية الحضارية لهذه القبائل ’ وذلك بتنمية الإحساس بأهمية هذه الهوية الحضارية وما تحمله من قيم أخلاقية وإنسانية وضرورة المحافظة عليها.
وهنا يضطرنا الحديث , لان الشيء بالشيء يذكر , إلى تنبيه الشعب الجنوبي عامة , والى عقلائه وحكمائه وعلمائه لحقيقة بالغة الأهمية , ألا وهي أن غياب انتباهنا إلى حجم ومدى الهجمة الشرسة التي تعرضت لها منظومة القبائل الجنوبية , ممثلة برأس إدارتها كالمشيخات والسلطنات والإمارات في الجنوب , منذ عهد الاحتلال البريطاني , مرورا بعهد الحكم الشيوعي الماركسي الشمولي , وفترة الاحتلال الشمالي , وصولا إلى يومنا هذا والتي قوضت إلى حد لا يستهان به , على المهام الفطرية المناطة بهذه القبائل وسعت للقضاء على شكلها و هويتها الحضارية , كل هذا يعني أن المحصلة النهائية التي ستنتج من هذا الهجوم والهدم , إن لم يتم التنبه له وتداركه وإصلاحه , يعني فقداننا لهويتنا ككيان متماسك له هويته المحددة التي يستمدها من تاريخه وقيمه . وسيحولنا إلى مجرد قشرة خارجية جوفاء , خالية من أي مضمون .
من الشواهد على هذه الفائدة في وجود القبيلة وقوتها , هي في الطريقة التي ردت فيها القبيلة الجنوبية , على كل ما أصابها من علل , نحو تعامل الاحتلال الشمالي ونخبه وقواه الدينية والقبلية والعسكرية , حين وصولهم إلى الجنوب وسيطرتهم عليه بعد حرب 94 م , ذلك التعامل الذي كان – وأظنه لا يزال قائما بحسب ما يظهر من الشواهد الحالية - على النظرة الثلاثية , التي كان فيها تكفير الجنوبيين وإخراجهم من دائرة الأمة الإسلامية جزئها الأول , وكان اعتبارهم بعنجهية وتعال شرذمة من بقايا عبيد الاستعمار البريطاني من الهنود والصومال لإخراجهم من دائرة الأمة العربية – رغم أن إخوتنا في الصومال عرب دون شك – جزئها الثاني , فيما بات اعتبار الجنوب كأرض خالية من أي شعب , و ليست إلا فرعا من أصل يجب إعادته , جزئها الثالث .
وكانت هذه النظرة الثلاثية من قبل نخب الشمال وقواه المذكورة , تمثل نظرتهم الخاصة عن حقيقة ( الواقع) في الجنوب وتصورهم عنه , ولكن الحقيقة التي بقيت أن لهذه الأرض العربية الجنوبية , قبائل مسلمة عربية جنوبية , انصهرت مع بعضها البعض بروابط الدم لتشكل الشعب الجنوبي العربي المسلم القائم الآن , ولكنهم أبوا أن يروا هذا الشعب الجنوبي في تصورهم الخاص للواقع في الجنوب .
ولهذا فأن وجود القبائل الجنوبية التي شكلت الشعب الجنوبي والتي كان من مهامها الحفاظ على هوية الشعب الجنوبي والدفاع عنها , و رغم كل ما واجهنه من هجمات و تحديات كبرى عبر تاريخها الحديث , ظلت هذه القبائل الصفعة التي يتلقاها إدراك و وعي نخب الشمال ومثقفيه وقواه كل يوم .
ولعل الكثير منكم يتساءل لماذا انتهجت نخب الشمال ومثقفيه وقواه هذه النظرة الثلاثية . التي تخالف الواقع في الجنوب , والإجابة على هذا السؤال بسيطة يسيرة, إن نخب الشمال ومثقفيه وقواه – كبقية البشر في محاولتهم لإيجاد تبريرات لأفعالهم – اختاروا بانتقائية أن يزيلوا القبائل الجنوبية وحقيقة وجودها وهويتها من أرضها , بناء على مجموعة القيم التي تعتنقها وتؤمن بها تلك النخب و اؤلئك المثقفون وتلك القوى.
وللأحبة من العرب والمسلمين وغيرهم من المهتمين بالشأن الجنوبي , يمنكم العودة إلى مسلسل وشخصية (دحباش ) الذي صار أمثولة عن طبيعة التفكير والسلوك في الشمال وخير من يمثل ويختصر هذه القيم السائدة في أوساط النخب والمثقفين والقوى الشمالية .
حديثنا عن الفوائد والشواهد لم ينته ... سيستمر إن شاء الله .
همسة في أذن شباب الإسلام جميعا وفي أذن شباب المقاومة الجنوبية على وجه الخصوص :
يقول الرب العليم الحكيم الخبير : إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11]

د. بليغ اليزيدي
عشاء الأحد
15 يوليو 2018 م