تحليلات سياسية

السبت - 06 أكتوبر 2018 - الساعة 08:43 م بتوقيت اليمن ،،،

تحديث نت -القسم السياسي إعداد الباحث: أنيس الشرفي.

لقد أثبتت الأحداث عجز الدولة اليمنية عن القيام بدورها، إن كانت هناك دولة بالمعنى الدلالي، وأكدت على استغلال القوى الحاكمة للسلطة والنفوذ بهدف محاربة القوى المعارضة محيلة الدولة إلى خصمٍ لقوى محلية لا تتقبل أجندات قوى النظام الحاكم، لذا فإن استمرار تلك القوى مسيطرة على القرار والسلطة والاقتصاد بما جسدته من فشل وعجز سيزيد الوضع تعقيداً ويرفع كلفة أي حلول يراد إنتاجها للأزمات المختلفة والمتراكمة التي تعاني منها اليمن.

وبقراءة التجربة التاريخية لأزمة الدولة في اليمن، نجد بأن الأزمة الاقتصادية والسياسية الراهنة ناتجة عن تراكم أزمات مستعصیة؛ منذ اجتياح الجنوب من قبل تحالف قوى1994م، وما تلاها من سياسات تدميرٍية ممنهجة، فضلاً عن تجاذب قوى النفوذ التقليدية والعسكرية وبؤر الفساد التي حالت دون بناء مؤسسات الدولة بشكل حقيقي.

حيث عمدت تلك القوى لإضعاف تشكل أي روابط وطنية بين أبناء الشمال ناهيك عن الجنوب، وعملت على تفكيك النسيج الاجتماعي وبرمجة دورات الصراع السیاسیة والقبلیة، وتشجيع ورعاية جماعات متطرفة نشرتها في عدة مناطق جنوبية ووفرت لها حماية ودعم لوجستي من معسكراتها ومؤسسات الدولة، وعمدت لاستخدامها كأداة لتهديد وابتزاز العالم للحصول على الدعم والمساعدات والمنح.



تقييم الوضع الراهن:

أنتجت الحروب والصراعات اليمنية حالة انهيار شاملة لكافة المجالات، وأفرزت تحديات عميقة، وحصدت أرواح آلاف المدنيين والأطفال والنساء شمالا وجنوباً، ودمرت البنية التحتية وتسببت بانهيار مؤسسات الدولة واقتصادها، وارتفاع معدلات الفقر والمجاعة، وضاعفت حدة البؤس والمعاناة، وانتشار الأمراض والأوبئة، فضلاً عن إيجاد بيئة خصبة للتطرف وانحسار ملامح الثقافة المدنية لأدنى مستوياتها.

إن الوضع الإنساني والخدماتي والمعيشي المتردي في الجنوب والشمال (المدن المحررة وتلك الواقعة تحت سيطرة الحوثيين على حدٍ سواء)، بات ينذر بأزمات وأعباء كارثية تراكمت على بعضها وما تزال تتضاعف يوماً بعد آخر، حتى غدت تهدد سكان البلاد كافة بمجاعة كارثية، مما يستوجب الإسراع بالتداعي لمعالجتها وبشكلٍ فوري قبل أن تستفحل ويصبح حلها باهظ التكلفة.

لقد تعاملت الشرعية مع الجنوب بنهج إقصائي امتداداً لثقافة العدوان والغزو والتمييز والتهميش وتكريساً لنهج نظام صنعاء التقليدي بمختلف قواه التي لا ترى في الجنوب سوى أرض وثروة للنهب والاستحواذ.

رغم استفحال وتفشي الفساد والمحسوبية في جسد الدولة وسيطرته على مؤسساتها منذ ما قبل حرب عام 2015م، إلا إن وضع الحرب ما بعدها وانقسام الدولة بين هيكلين إداريين منفصلين عن بعضهما، وانقسام سلطة البنك المركزي بين ثلاثة أطراف (عدن – صنعاء – مأرب) وغياب المسائلة وشيوع المحسوبية، وتزايد حدة الهدر المقصود في إنفاق مبالغ طائلة لاستنزاف إمكانيات الدولة ومقدراتها من قبل القوى المستحوذة على القرار في كلا طرفي النزاع، دون موازنات ولا خطط وفي جوانب كمالية يكيفها المسؤول على هواه لغرض اختلاس أموال الدولة وإفراغ الخزينة العامة من الأموال، وتنمية أرصدتهم المالية في حسابات مصرفية خارج الدولة، فضلاً عن المضاربات وغياب الرقابة على سوق صرف العملات قد شكلت في مجموعها جملة من العوامل التي ساهمت في الانهيار الاقتصادي والمعيشي الراهن المرتبط بانهيار قيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، والآخذ في الانهيار بشكلٍ متواصل دون إقدام الدولة على تنفيذ أي إصلاحات حقيقية.

ومن البديهي أن تقف الدولة موقف المتفرج، فالمعلوم أن اليمن دولة تفتقر إلى النظام المؤسساتي المتكامل والمقتدر على تنفيذ إصلاحات عميقة في ظل الأوضاع الطبيعية، فما بالك بوضعه الحال؟

ويأتي ذلك الفشل لكون من يناط بهم ويؤمل عليهم الإصلاح لإنقاذ البلد من كارثة اقتصادية قادمة، يعدون السبب الأبرز في إيصال الوضع إلى ما هو عليه اليوم، إذ يشكلون مجموعة إقطاعيات مالية تتقاسمها أقطاب نفوذ محلية تقليدية ترتبط بمصالح وعلاقات مع قوى وشركات دولية، مكنت لها لثلاثة عقود مضت أن تتربع على عرش الاقتصاد والسياسة في اليمن.

وهو ما يعني بأن تلك القوى التقليدية قد رسخت أقدامها في هياكل الدولة اليمنية، وستظل مستحوذة عليها ما لم يتم تقليص نفوذ تلك القوى وتمكين المجتمعات المحلية من انتزاع سلطات ونفوذ سياسي يتيح لها المشاركة إمكانية صنع القرارات وسم السياسات الاقتصادية وإدارة الشؤون الخدماتية والأمنية والموارد المالية بمعزلٍ عن سيطرة قوى وتدخل النفوذ التقليدية المحتكرة للنفوذ العسكري والقبلي والاقتصادي والمسيطرة على مراكز صنع القرار السياسي في الدولة، وهو الأمر الذي يجعل سحب البساط من تحت سيطرة تلك القوى أولوية قصوى في مسار تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية جوهرية، في وقتٍ أصبحت تنحسر فيه خيارات المعالجة وتضيق حلقاتها وتزداد كلفتها يوماً بعد آخر.


تدابير معالجة الأزمة الاقتصادية:

للوصول إلى حلول ناجعة تنقذ الوضع الاقتصادي المنهار وتحد من وقع تبعاته المأساوية، فإن ذلك يتطلب عملاً جاداً منتظماً بمشاركة وقبول كافة أطراف الصراع وتقديم تنازلات كبيرة نزولاً عند المصلحة العامة وتحاشياً لحدوث الانهيار الكامل المتوقع حدوثه قريباً حال استمرت الأوضاع تنحدر نحو الهاوية على ذات الخطى التي تمضي عليها اليوم سياسات الدولة نحو الإسهام في تعميق الفوضى والفقر والمجاعة غير مكترثة بتبعاتها على المواطن وعلى الدولة بشكلٍ عام.

إذ يجب أن تبدأ عملية الإصلاح بإطلاق حملة إغاثة إنسانية شاملة؛ لمعالجة الوضع الإنساني والمعيشي المأساوي والمتردي في الشمال والجنوب، وإمداد كافة المناطق بالغذاء والدواء لتخفيف حدة آثار الحرب وتداعياته الأليمة على الوضع الاقتصادي لبلدٍ يرزح في الفقر منذ ما قبل اضطراب الأوضاع السياسية والأمنية، مما يتطلب أن تشمل تلك العملية في إطارها إصلاحات عميقة تستهدف هياكل الدولة وسياساتها بشكل عام، وذلك من خلال تنفيذ سياسة شاملة تشمل الجوانب الآتية:

أولا: إصلاح مؤسسات الحكم:

1.حل حكومة الحوثيين في صنعاء، وتسليم كافة مرافق الدولة لسلطات محلية يتفق عليها.

2.إقالة نائب الرئيس الحالي من منصبيه كونه يمثل أحد أبرز مراكز النفوذ، وتعيين نائب توافقي ومنحه صلاحيات تمكنه من العمل دون قيود.

3.إقالة حكومة أحمد بن دغر، وتشكيل حكومتين محليتين مصغرة من التكنوقراط (حكومة جنوبية تدير شؤون الجنوب، وحكومة شمالية تدير شؤون الشمال)، وتتولى حكومتي الشمال والجنوب خلال المرحلة الانتقالية كلاً في نطاق اختصاصه مهام التهيئة للآتي:

-إعادة بناء مؤسسات الدولة في الشمال والجنوب لكلٍ في دائرة اختصاصه.

-معالجة آثار وتبعات حربي 1994م و 2015م وحروب صعده وتعويض المتضررين وإنهاء التجاوزات، وإزالة ما خلفته سياسات التهميش والتنكيل المنتهجة بحق الجنوب بما يحفظ المصالح المشروعة ويزيل المصالح الغير مشروعة التي تكونت باستخدام النفوذ والهيمنة.

-إعادة الإعمار وتحسين الخدمات وتشييد البنية التحتية في الجنوب والشمال، كلاً في إطار اختصاصه وفق رؤية تنموية شاملة مدعومة من دول التحالف العربي وكافة دول الإقليم والعالم.


ثانياُ : تمكين السلطات المحلية:

اعتماد نظام حكم محلي فيدرالي في إطار كل طرف (شمال – جنوب) بما يحقق للسلطات المحلية بكل محافظة التمتع بصلاحيات كاملة، وذلك من خلال تنفيذ الإصلاحات الآتية:

1.التحول من الإدارة المحلية إلى الحكم المحلي كامل الصلاحيات.

2.تمكين السلطات المحلية من إدارة وإنفاق مواردها، وإصدار تراخيص استثمار، وتنفيذ برامج التنمية.

3.إلزام الشركات النفطية بفتح مكاتبها بالمحافظات محل الإنتاج.

4.التعامل المباشر مع المانحين لتوفير الاحتياجات الإنسانية والإغاثية والمشاريع التنموية وإعادة الإعمار.

5.تخصيص نسبة مجدية لكل محافظة من إيراداتها السيادية.

6.تخصيص نسب محددة من الموارد السيادية كدعم استثنائي لتلبية احتياجات المحافظات شحيحة الموارد.


ثالثاً : الإصلاحات الاقتصادية:

1.تسليم ميناء الحديدة للأمم المتحدة لإدارته بشكلٍ محايد، وإيداع كافة إيراداته في البنك المركزي عدن.

2.تفعيل كافة المنشآت الاقتصادية الحيوية (موانئ، مطارات، المصافي، المؤسسات العامة والخاصة).

3.إعطاء وضع خاص لميناء ومطار عدن لتعويض فترة الحرمان وإحياء دورها الريادي الذي عرفت به.

4.تحييد البنك المركزي تماماً أو تدويله وتعيين خبراء دوليين عرب وأجانب يديرون السياسة المالية.

5.إلزام كافة فروع البنك بتوريد الأموال أولاً بأول إلى البنك المركزي بعدن، وتنفيذ سياساته المالية.

6.تنظيم سوق تداول العملات وإيقاف الصرافين غير المرخصين المضاربين بالعملة في السوق السوداء. 

7.تطبيق سياسة تقشفية تضمن تقييد كافة حالات الصرف المالي الباذخ، وتفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة.

8.إلغاء كافة السفارات ما عدا تلك التي تفرض ضرورات المرحلة استمرارها، مع تقليص طواقمها.

9.تسريح ومعاقبة الوزراء والنواب والوكلاء والمستشارين، وكل من ثبت ضلوعه في ممارسة الفساد أو المحسوبية الأسرية أو الحزبية، والتحقيق في كافة ممارسات الاستحواذ أو السيطرة لحزب أو فئة أو أسرة أو شخص على أي حق عام أو خاص، وإحالتهم للقضاء لنيل العقوبة المناسبة.

10.دعم احتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي من قبل دول التحالف العربي والدول الغربية الداعمة.

11.إعادة إنتاج وتصدير النفط والغاز والمعادن، ودعم عملية تصدير كافة المنتجات المحلية إلى الخارج.

12.تحقيق رقابة فاعلة على الأسعار لضمان حماية المستهلك من تقلباتها، ودعم مواد الاستهلاك الأساسية.

13.إعادة النظر في هيكل الرواتب والأجور بما يتسق مع التغير في أسعار الصرف الجارية للعملة المحلية.

14.إنهاء الازدواج الوظيفي والوظائف الوهمية في كافة مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والمدنية.

15.التحول الكامل من نظام العمل اليدوي إلى النظام الآلي(الإلكتروني) والربط الشبكي بين كافة مؤسسات الدولة بهدف توحيد آليات العمل وتبادل المعلومات رأسياً وأفقياً وتحقيق التكامل الرقابة الفاعلة عليها.

16.إطلاق مؤتمر دولي لإعادة الإعمار وإنشاء صندوق خاص بذلك وفتح فروع محلية له بالمحافظات.