آخر تحديث :الجمعة-11 أكتوبر 2024-09:54م

تحليلات سياسية


مستهدفةً التحالف.. خلايا تجسُّس يمنية في خدمة الاستخبارات التركية

مستهدفةً التحالف.. خلايا تجسُّس يمنية في خدمة الاستخبارات التركية

الإثنين - 23 مارس 2020 - 07:51 م بتوقيت عدن

- (تحديث نت) وكالات:

“الجيش السابع العثماني الموجود في صنعاء كان هو الحامي الأساسي للحرمين الشريفين من البوابة الجنوبية”، هذا ما قاله الملحق العسكري اليمني في تركيا العميد عسكر زعيل، في محفل أُقيم في أنقرة قبل شهرَين، مستدعيًا مغالطات تاريخية فظيعة بشكل متعمد، ومستجديًا تدخلًا تركيًّا مباشرًا في اليمن([1])!

ويرجح محللون أن ما ذكره زعيل -أحد المنتمين إلى حركة الإخوان المسلمين في اليمن- كان مكتوبًا له بأوامر تركية، ضمن سياق المخططات الجديدة للسياسة الخارجية التركية التي يسير عليها حزب العدالة والتنمية وَفق رؤية “العمق الاستراتيجي” لأحمد داود أوغلو، والتي تتضمن أبعادًا “حضارية وثقافية وتاريخية وجغرافية ودينية”([2])، وترى أن “لتركيا مسؤولية تجاه المناطق التي كانت ضمن إطار الدولة العثمانية”؛ حيث تقوم فكرتها على “إحياء مكانة تركيا الجغرافية والتاريخية”([3]) وإعادة تموضعها، من دولة منكفئة على نفسها في الداخل، إلى دولة “مركزية وفاعلة” تبسط تأثيرها ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط إلى حدود الدولة العثمانية البائدة؛ من خلال توظيف “موروثها التاريخي” وتفعيل دور “حركات الإحياء الإسلامي”([4])، والتي يأتي على رأسها تنظيم الإخوان المسلمين، الموجود في عديد من دول المنطقة؛ بما فيها اليمن.

ومن أهداف تلك السياسة الخارجية التركية: مد النفوذ والوجود إلى البحر الأحمر وبحر العرب ومضيق باب المندب([5])، بالإضافة إلى تزعم منظمة التعاون الإسلامي من خلال الدعوة إلى إصلاحها، أو إعادة تشكيل منظمة إسلامية دولية على غرارها، “حلف الراغبين”، لتضم دولًا إسلامية راغبة في الانضمام إلى المعسكر التركي؛ لا سيما تلك التي يسيطر عليها فاعلون من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.


ولا يستحي الملحق العسكري للشرعية اليمنية في أنقرة من إبداء تطلعه بشوق إلى إعادة ماضي الاحتلال التركي لليمن، فيقول: “إن الفترة التي تعاقب خلالها الولاة العثمانيون على حكم اليمن تأسَّس خلالها التعليم والجامعات والمستشفيات، وتأسس كل شيء جميل في بلدي”([6])، ويتابع: “تأسست القوة الدفاعية، وقوة الجيش السابع العثماني الموجود في صنعاء الذي كان هو الحامي الأساسي للحرمين الشريفين من البوابة الجنوبية في أرض اليمن”([7]).

لكن كيف نفهم “هرطقات” عسكر زعيل، كما يصفها اليمنيون، والتي ذهبت بعيدًا في هذا الثناء، مدعيًا، في تزوير مكشوف لحقائق التاريخ، أن الاحتلال العثماني، الذي وصفه بـ”الحكم العثماني”؛ “هو مَن بنى السور القديم الذي يحيط بمدينة صنعاء القديمة”؟!

توقيت مقولة “الدبلوماسي العسكري اليمني” حول حماية العثمانيين للحرمين الشريفين

تأتي “خطبة زعيل”، الملحق العسكري في السفارة اليمنية بتركيا وذراع نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، ومدير مكتبه السابق، حول دور الاحتلال العثماني لليمن، ووصفه له بـ”العراقة”، وادعاءاته بارتباط الأتراك بـ”اليمن والهوية اليمنية حتى هذه اللحظة”، مستدلًّا بما سماه “مجمعة العرضي، وزارة الدفاع اليمنية” التي قال إن “تركيا هي مَن أنشأتها”، تأتي هذه الخطبة بُعيد انتهاء أعمال قمة كولالمبور “القمة الإسلامية المصغرة” منتصف ديسمبر الماضي([8])، والتي جمعت الرئيس التركي أردوغان، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني – الداعمَين لتنظيم الإخوان المسلمين- بالرئيس الإيراني حسن روحاني -الداعم لميليشيات الحوثيين- حيث أشارت تقارير إعلامية واستخباراتية عربية إلى حدوث مقاربات بين الثلاثة بشأن الملف اليمني، وأن ممثلين عن حزب التجمع اليمني للإصلاح كانوا قد التقوا، على هامش أعمال تلك القمة، أعضاءً رسميين من الوفد الإيراني، وكان محور الحديث “تحقيق تفاهمات مع الحوثيين”([9]).

كما تأتي هذه “الخطبة” قبيل دعوة قياديين في تنظيم الإخوان المسلمين -فرع اليمن- إلى ضرورة “تشكيل قيادة عسكرية” تجمع الأتراك بإخوان اليمن، ضد التحالف العربي لدعم الشرعية، وذلك في مؤتمر “يمن ما بعد الحرب” في إسطنبول التركية([10]).

وما تلِي ذلك من تطورات ميدانية على الأرض، تمثَّلت في نشاط غير مسبوق لميليشيات الحوثي الإرهابية، وهجمات لهم متتالية في عدة جبهات في مأرب والضالع، وانتصارات حوثية واسعة في الجوف مطلع هذا الشهر، استحوذت خلالها على ثكنات بعدّها وعتادها، أمام انسحابات سريعة لـ”قوات الشرعية” وصفت بأنها “مثيرة للتساؤلات”([11])، بينما “قوات تابعة للشرعية تجري مناورات عسكرية في شقرة، ويتحدث قادتها العسكريون عن ساعة الصفر”، في تهديد مباشر لمدينة عدن المحررة، غير آبهين بميليشيات الحوثي، كما ذكر السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر([12]).


الدبلوماسي زعيل.. عميل برتبة عميد!

وكانت مصادر دبلوماسية يمنية قد كشفت في وقت سابق عن أن العميد عسكر زعيل، “قام خلال الأعوام الثلاثة الماضية بدور كبير في التمهيد للتدخل التركي في اليمن، ونسَّق زيارات تركية رفيعة إلى عدن([13]) للقاء وزير الداخلية ونائب رئيس وزراء (الحكومة الشرعية) في اليمن أحمد الميسري، الذي أعلن قبيل تعيينه وزيرًا للداخلية، الولاء لنائب الرئيس اليمني في لقاء عُقد بحضور رجل الأعمال أحمد صالح العيسى، في العاصمة السعودية الرياض”.

وتشير تلك المصادر إلى أن العميد زعيل “قام وبتنسيق مع وزارة الداخلية التركية ووزير الداخلية اليمني الميسري، بتأهيل عديد من الكوادر الميدانية والقيادات الحزبية لإخوان اليمن، في الجانب الأمني والاستخباراتي، وبعضهم أُرسلوا عقب أيام فقط من تعيين الميسري وزيرًا للداخلية”([14]).

كما قام زعيل بترتيبات تلك الزيارة الرسمية لوزير النقل في حكومة “الشرعية” اليمنية صالح الجبواني، وما تلاها من تصريحات منسوبة إليه حول “عودة تركيا بقوة إلى الساحة العالمية بقيادة أردوغان”([15])، وتوقيعه اتفاقات مع تركيا لإدارة المطارات والموانئ اليمنية([16])، بينما تبرأت الرئاسة اليمنية من ذلك في وقت لاحق، وأنكرت الزيارة، ووصفتها بـ”الشخصية”!([17]).

وكان ذلك قد تزامن مع ترتيبات -عسكر- لزيارة قام بها وفد تركي إلى مدينة مأرب التي يهيمن عليها الإخوان؛ إذ تشير المعلومات إلى أن “الزيارة التي تمت تحت غطاء هيئة الإغاثة الإنسانية التركية لمأرب تتجاوز البُعد الإنساني، إلى أبعاد سياسية واقتصادية كشفت عنها تغريدات ناشطين يمنيين من جماعة الإخوان طالبوا فيها تركيا بالتدخل في اليمن من باب الاستثمار الاقتصادي”([18])، ذلك بخلاف ترتيبه لدخول عملاء من الاستخبارات التركية لمحافظة المهرة([19]) ([20])، ودوره في إنشاء قناة “المهرية” التي تُديرها عناصر حزبية من التجمع اليمني للإصلاح، بأموال قطرية([21]).


“الحبل السري” الذي يربط علي محسن الأحمر بالاستخبارات التركية MIT

يرى مراقبون أن اختيار نائب رئيس الجمهورية اليمنية علي محسن الأحمر، لسكرتيره الخاص العميد عسكر زعيل، ليكون ملحقًا عسكريًّا لـ”حكومة الشرعية” اليمنية في تركيا، لم يأتِ من فراغ!

فعسكر -الإخواني الذي سبق أن قاتل في أفغانستان مع الأفغان العرب- تربطه علاقة متينة وقديمة مع (اللواء) علي محسن، ويحظى بثقته الخاصة، حتى اعتبره اليمنيون كاتم أسراره، وهو الذي رقَّاه استثنائيًّا من رتبة عسكرية صغيرة إلى رتبة (عقيد)، وبالتالي فإن وجود “عسكر” في أنقرة يؤكد الدور المحوري والأهمية الكبرى لتركيا في أجندة علي محسن الأحمر -القيادي العسكري في حركة الإخوان المسلمين فرع اليمن([22])– وسعيه لإدارة خيوط اللعبة على المسرح اليمني، وليمثل عسكر زعيل الحبل السري([23]) الذي يربط علي محسن بحزب العدالة والتنمية، وجهاز الاستخبارات التركية MIT.