آخر تحديث :الجمعة-11 أكتوبر 2024-09:54م

تحليلات سياسية


دور نشط ومستمر لدولة الإمارات العربية المتحدة لإرساء السلام في الشرق الأوسط " تقرير خاص "

دور نشط ومستمر لدولة الإمارات العربية المتحدة لإرساء السلام في الشرق الأوسط " تقرير خاص "

الثلاثاء - 24 أكتوبر 2023 - 07:57 ص بتوقيت عدن

- تحديث نت / خاص.


كتب / محمود صالح .

لا تُقاس الدول والكيانات الكبرى بسنوات إنشائها أو تواجدها على الساحة الدولية، بقدر ما تُقاس بمدى ما أنجزته وما خلّفته من بصمات ملموسة، وتأثيرها على محيطها الإقليمي والمجتمع الدولي، ونادرا ما تتواجد مثل هذه النماذج الفاعلة والمُؤثرة على القرار العالمي.

فالإنجاز والتأثير وحده، هو من يجعل من هذا البلد أو ذاك مُحركا للأوضاع ولاعبا مؤثرا فيها، ولا يمكن أن يأتي مثل هذا الجهد إلا من خلال امتلاك رؤية سياسية، تولدت بفعل التخطيط والتهيئة الجيدة، والتي بدأت منذ وقت مبكر، وجاءت في الوقت الراهن لتقطف ثمار هذا الجهد والعمل المنظم.

وليس ثمة من نموذج واقعي يشرح ويفسر وجود مثل هذه البلدان والكيانات السياسية الفاعلة في المشهد السياسي العام إقليميا أو على مستوى العالم، من دولة قامت على أسس متينة من التخطيط والرؤية الاستراتيجية منذ الوهلة الأولى لتأسيسها، وانطلقت منها لتصنع مكانةً ورصيدا مؤثرا تجاوز إرث الكثير من الدول المتشدقة بتاريخها أو مكانتها الدولية المزعومة.

ولعل الحديث هنا يقود الأذهان نحو دولة من دول الشرق الأوسط، باتت اليوم تمتلك تأثيرا لا يمكن إغفاله، أو غض الطرف عنه، وأصبحت تشكل عاملا مهما في الاستقرار والتوازن الإقليمي داخل هذه المنطقة المضطربة بالصراعات والتوتر السياسي والديني، وهي أوضاع لم تنفك عن المنطقة منذ عقود طويلة.

القصد هنا يتركز على دولة الإمارات العربية المتحدة، التي ساهمت في الحد من التوتر السياسي والصراعات التي عصفت بالمنطقة، وحدّت من وطأتها، رغم أن تلك الصراعات لم تنتهِ، نظرا لطبيعة وتركيبة المنطقة، إلا أن تواجد أبو ظبي في قلب الأحداث العظمى؛ شكل (رمّانة الميزان)، وجعل منها دولةً كبرى؛ نتيجة جهود الدبلوماسية الإماراتية في تهدئة الأوضاع، وإرساء أسس السلام والاستقرار في المنطقة.


الانبثاق المجيد.

تأسست دولة الإمارات العربية المتحدة في فترة يُصنفها المؤرخون بأنها من أسوأ فترات التاريخ السياسي التي مرت بها الأمة العربية، ومنطقة الشرق الأوسط، فترة شهدت عديد انتكاسات سببها الصراع العربي الإسرائيلي، الذي جعل من هذه البقعة من العالم تتأرجح تحت وطأة حروب متواصلة عاشتها خلال ثلاثة عقود سبقت انبثاق الوجود الإماراتي.

كان إعلان اتحاد الإمارات العربية في مطلع ديسمبر/كانون أول من العام 1971، ملهما للكثير من العرب في وقتٍ تميز بالنكسات المتكررة، فصارت الدولة الوليدة نواةً لتوحيد قوى العرب في مواجهة واقعهم، خاصةً وأنها قامت على أسس اتحادية -افتقدتها المنطقة العربية- لملمت فيها شتات منطقة كانت منسية في جنوبي غرب الخليج العربي ووحدتها في بوتقة دولة واحدة، عُرفت بدولة الإمارات العربية المتحدة، وكأن لسان حال هذه الدولة الحديثة كان يُخاطب المنطقة العربية برمتها بضرورة التوحد والاصطفاف لمعالجة جميع مشاكلهم.

هذه الإضافة الجديدة للأمة العربية شكلت بالفعل إلهاما، كما ذُكر سلفا، في زمنٍ كان الجميع يبحث فيه عن قيم النصر والوحدة، بعد الكثير من الخيبات العربية، بل إن هذا الكيان الوليد مثل أملا وقوةً لا يستهان بها بعد أن شارك في الدفاع عن مقدسات الأمة، وساهم في النصر العربي خلال الحرب العربية الإسرائيلة في أكتوبر/تشرين أول عام 1973م.

حيث منعت دولة الإمارات العربية المتحدة تصدير النفط العربي إلى دول الغرب، في الولايات المتحدة وأوروبا، وناصرت القضية العربية والفلسطينية، انطلاقا من رؤيتها بأن النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي الذي جادت به الجيوش العربية المصرية والسورية في حرب استعادة كرامة الأمة، والتي كان موقع أبو ظبي فيها موضع القلب من الجسد.

فكان انبثاق الدولة الإماراتية انبثاقا مجيدا ساهم في ترتيب الوضع السياسي والعسكري العربي وإعادته إلى مستوى الندية مع أعدائها، ورسم ملامح جديدة للصراع بين العرب والإسرائيليين، ووضع قواعد جديدة مبنية على التوازن في القوى، واستخدام كافة الأسلحة المتاحة -العسكرية منها وغير العسكرية- لتحقيق وإرساء مبادئ السلام في المنطقة.

وهذا بالفعل ما قامت به دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ السنوات الأولى لتواجدها كدولة قوية لها كلمتها ودورها الحيوي والمؤثر في العملية السياسية في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن أعادت السلام إلى هذه المنطقة، من خلال استخدام أوراق وأسلحة لا تقل أهمية عن السلاح العسكري المباشر.


تأمين الخليج.

ثمة العديد من الإسهامات التي قامت بها الإمارات تجاه محيطها العربي وإقليمها الشرق أوسطي، كان بها أكبر الأثر على استقرار المنطقة وتعزيز أمنها واستقرارها السياسي والاقتصادي، وتفعيل مبدأ التعاون العربي في مواجهة الأخطار المحدقة.

ويأتي على رأس هذه الاسهامات، الدور الإماراتي الفاعل في تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981، والذي كان له عظيم الأثر في جمع شعوب الخليج وتوحيد سياسات قادتها وحكامها؛ لمجابهة المخاطر والمخططات المتربصة بدول المنطقة، خاصةً من محاولات النظام الإيراني في تصدير (الثورة الخمينية) إلى بلدان الخليج، وزعزعة الاستقرار فيها.

والتزمت أبو ظبي سياسة خليجية موحدة، تجاه الصراعات والتوترات مع طهران، ومضت في ضبط النفس الذي ميّز تعاملاتها مع كافة الأطراف، حتى لا تتسبب في جر المنطقة والخليج إلى أتون مواجهات تنعكس تبعاتها على الشعوب والبلدان الخليجية ومستقبلها، حتى أنها سعت بكل ما أوتيت من جهد إلى درء مخاطر الحروب عن منطقة الخليج.

ويشهد العالم بأسره، كيف كان رئيس الدولة ومؤسسها الأب الراحل زايد بن سلطان آل نهيان حريصا على تجنيب دولة مثل العراق الشقيق الدخول في أتون حرب دمرت هذا البلد في عام 2003م ودعوته للرئيس صدام حسين بالخروج من العراق والاستقرار في الإمارات تجنبا للذرائع الأمريكية والبريطانية التي شنت حربها في نهاية المطاف؛ وتسببت بمزيد من الاضطرابات في المنطقة.

كما حافظت الإمارات على سياسة متوازنة مع كافة الأطراف الدولية والإقليمية، ونجحت في التخفيف من آثار الحروب التي شهدتها منطقة الخليج، من خلال تدخلات إنسانية سعت إلى تجاوز تداعيات الصراعات العسكرية في منطقة الخليج تحديدا، وفي بقية مناطق العالم أيضا، إيمانا منها بأن إحياء الأمل لدى المتضررين مهم جدا في إرساء أسس السلام والاستقرار في العالم برمته.


فرض الاستقرار.

الرؤية الإماراتية، النابعة من الإيمان بأن السلام يجب أن يسود العالم، وليس منطقة معينة منه فقط، جسدها الطابع العالمي للتواجد الإماراتي والمشاركة الفاعلة في استتباب الأمن والاستقرار في مختلف أنحاء المنطقة العربية والعالم.

ولعل ما قامت به دولة الإمارات العربية المتحدة من مساندة الشعب في جنوب اليمن، منذ عام 2015؛ لدرء الخطر المليشياوي الحوثي على البلاد، وانخراطها في قيادة التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن إلى جانب شقيقتها المملكة العربية السعودي، لأكبر الأدلة على هذا البُعد الإنساني لحفظ السلام وإرساءه في مختلف مناطق العالم، وليس فقط في الشرق الأوسط أو المنطقة العربية.

ذلك أن الخطر الحوثي كان لا بد من ردعه بقوة ردع عربية، ولم تكن لأبو ظبي أن تتأخر عن الانضمام إليها وقيادتها إلى جانب الرياض، وتبني قضية كبح جماح التغول الحوثي في دماء الجنوبيين واليمنيين عموما، قبل أن يصل خطره وتهديداته إلى مختلف المناطق العربية والشرق الأوسط، تحت دعم ورعاية من نظام طهران، في إطار الخطة الإيرانية لتهديد السلم والأمن في إقليم الشرق الأوسط بأسره.

واستطاعت الإمارات بالفعل من تحقيق رؤيتها واستراتيجيتها التي وُجدت من إجلها، وإحداث توازن قوى حقيقي في المنطقة العربية والشرق الأوسط، يمنع انزلاقها إلى أتون أزمات لا تُحمد عقباها، تعزيزا للسلام وإرساءً لمداميكه، خاصة وأن أية حالة من عدم الاستقرار في اليمن ستُلقي بظلالها على الاستقرار في العالم، نظرا لموقع اليمن الجيوسياسي والجيواقتصادي وارتباطاته الدولية.

فكان لزاما لأبو ظبي أن تسعى لتحقيق تلك الغاية، وجسدتها فعلا، وتجاوزت بذلك دورها في تعزيز السلم الإقليمي، وباتت إحدى الأدوات العالمية لإرساء الاستقرار ومكافحة الإرهاب العابر للدول والقارات، وكل هذا العمل لا يمكن فصله إطلاقا عن الغايات التي اتخذتها الامارات على عاتقها منذ الوهلة الأولى لتأسيسها.


التسامح والقبول بالآخر.

لم يقف الجهد الإماراتي عند مستوى منع الصراعات المسلحة والحد من تفشيها في المنطقة والعالم، بل عملت عديد خطوات وإجراءات هدفت لتقويض الإرهاب ومحاربته، ووقف جماح التطرف الديني والمذهبي الذي انعكس على نظرة الآخر الخاطئة تجاه العرب والمسلمين.

حتى أن الإمارات عملت على معالجة أسباب التطرف من جذورها، ومحاولة التعامل المباشر مع أصول التطرف الديني الذي عمل على تشويه الإسلام، باعتبار أن هذا النوع من التطرف عامل رئيسي في حالة الصراعات والتوتر السياسي والعسكري الذي شهدته المنطقة العربية والشرق الأوسط منذ قرون وليس فقط عقودا.

وفي هذا الصدد، لا يخطئ أحد جهود أبو ظبي في نشر قيم التسامح والسلام بين الأديان السماوية، ومشروعها الجامع الذي لفت أنظار العالم إلى هذه الدولة الوليدة التي تفكر باستقرار الكون من خلال توحيده وجمعه على كلمةٍ سواء تكون أساسا لسلام يعم البشرية ويمنع انزلاقها نحو مزيد من الصراعات والكراهية.

بذلك، تكون الإمارات قد عززت حضورها القوي ليس فقط إقليميا، بل حتى عالميا، كدولة يُشار لها بالبنان نظير إنجازاتها الملموسة وتأثيراتها اللافتة على الاستقرار والأمن والسلام العالمي والإقليمي، رغم كل ما تعانيه وتواجهه من تحديات وصعوبات ومحاولات التشويش على هذا الدور الفاعل أو التقليل منه، وهي محاولات عبثية لم تنل أبدا من مشروع السلام الإماراتي الذي ما زال حيا ومستمرا.