آخر تحديث :الجمعة-11 أكتوبر 2024-09:54م

تحليلات سياسية


تنازع شرعية الحكم في اليمن بين الحيازة الاسمية والممارسة الفعلية

تنازع شرعية الحكم في اليمن بين الحيازة الاسمية والممارسة الفعلية

الإثنين - 31 ديسمبر 2018 - 01:43 م بتوقيت عدن

- قراءة تحليلية للكاتب: أنيس الشرفي.


تستند حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي إلى التأكيد بأنها هي الجهة الوحيدة التي تكتسب صبغة دستورية تمنحها شرعية الحكم في اليمن، بيد إنها في حقيقة الأمر تفتقد إلى الدور الفعلي الذي يثبت أهليتها وجدارتها لامتلاك ذلك الحق، بعد تخليها عن واجباتها وإخلالها بمسؤولياتها تجاه شعبها، وفقدان سيطرتها وانتفاء وجودها على أرض الواقع وتحولها إلى صفة اسمية في عالم هلامي لا يجد ما يؤكده على الأرض، إذ يقتصر حضورها على ما تبثه وسائل الإعلام التابعة للسلطة ذاتها، أو ما تروجه القوى المتدثرة برداء الشرعية بهدف اختطاف القرار السياسي وتسخيره لخدمة أجنداتها الحزبية الضيقة.

وبتتبع الممارسة الفعلية لحكومة الشرعية التي تخلت عن دورها وواجبها تجاه مواطني المحافظات المحررة وتعمدها تغييب النظام وانعدام الخدمات وزعزعة الأمن وممارسة المحسوبيات وتفشي الفساد، وتسخير إمكانيات الدولة للتنكيل بالمواطن وحرمانه من أبسط حقوقه، بالإضافة إلى تخاذلها عن تحرير الشمال من قبضة الحوثي.

إذ تجتمع كل تلك الممارسات والإخفاقات في قالبٍ واحد لتبدد مزاعمها الإعلامية لتسويق ذاتها، وتفقدها صفة الشرعية فعلاً ومضموناً؛ وذلك لتجاهلها حقيقة كون الشرعية عقد اجتماعي بين الحاكم والشعب، فمتى ما أخل الحاكم بذلك العقد والمتمثل بخدمة المواطن وضمان تحقيق الأمن والاستقرار، وتخاذل عن توفير احتياجات المواطن المعيشية والخدمات الصحية والتعليمية وإقامة البنية التحتية وحفظ الحقوق والممتلكات وصون الحريات، أصبح فاقداً لشرعية الحكم لانتفاء شروط حيازتها.
 


تآكل الشرعية الدستورية:

بعد مرور أربع سنوات من الحرب التي أدخلت اليمن والمنطقة في أزمة سياسية معقدة، تزداد تعقيداتها يوماً بعد آخر، إثر ما أفضت إليه إخفاقات حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي وعجزها عن استعادة سيطرتها على الشمال وتحرير المواطنين هناك من سطوة الحوثي، وتخليها عن خدمة مواطني المحافظات الجنوبية المحررة، وهو الأمر الذي أدى إلى تآكل الشرعية الدستورية ومنحها لقوى أخرى مناوئة للرئيس هادي.

إذ لم يعد من المقبول أن يظل الشعب سواءً في الجنوب أو الشمال رهين شرعية شكلية تتمتع بحضور هلامي وهمي تحضر عند المصلحة وتغيب أو تتخاذل عن أداء واجباتها تجاه مواطني المحافظات المحررة التي من المفترض أن تكرس كافة إمكانياتها وقدراتها لخدمتهم لا لخدمة الساسة والمسؤولين والنخب الفاسدة الذين فضلوا أن يعيشوا بصحبة أسرهم متنقلون بين عواصم دول العالم ينفقون إيرادات الدولة على سفرياتهم وراحتهم، فيما شعبهم يقاسي أوضاعاً مأساوية وصفت بحسب تقارير الأمم المتحدة بالحالة الانسانية الأشد مأساوية وخطراً على مستوى العالم.

يرى مراقبون محليون بأن من يتصدرون مشهد الحكومة الشرعية عبارة عن تجار حروب لا يشعرون بأدنى مستوى من المسؤولية، ولا يهمهم غير راحتهم ونعيمهم وعائلاتهم، إذ فضلوا الانفصال كلية عن واقع سكان المحافظات المحررة ومعاناتهم، بل يراهم البعض بأنهم هم من عمل على إيصال الوضع إلى ذلك المستوى لعلمهم أن أي استقرار يتحقق للبلد سيفقدهم الكثير من الامتيازات التي يتمتعون بها خلال الحرب؛ لأن الحرب يوفر لهم بيئة مناسبة للفساد والمحسوبيات وتحقيق الثراء السريع؛ لانعدام الرقابة والمحاسبة وغياب العقوبة في ظل الحرب.

ظنوا بأن شرعية الرئيس ستظل سياجاً فاصلاً يحول بينهم وبين أي توجه لإصلاح البلد قد يفقدهم السلطات والمراكز التي يتربعون عليها، لم يضعوا في حساباتهم تبعات ممارساتهم وإخفاقاتهم وانفصالهم عن الواقع، ولم يدركوا بأن ذلك سيفقدهم ركائز حيازة الشرعية بل قد يتسبب بإهدار الشرعية التي تتغنى بها الحكومة وتحتمي بسياجها بشكلٍ كلي.

إذ بدأت تبرز ملامح تآكل الشرعية وتتجلى معالمه بوضوح من خلال ما نصت عليه اتفاقيات ستوكهولم بشأن الحديدة وتعز، ومن ثم قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2451 لعام 2018) والذي ساوى بين طرفي الأزمة على نقيض ما نصت عليه كافة القرارات السابقة منذ القرار(2216 لعام 2015) وما تلاه من قرارات المجلس وبياناته الرئاسية.

ولعل ذلك التحول في مواقف المجتمع الدولي تجاه الشرعية الرئيس هادي، عقب أربع سنوات من الدعم والإسناد والمؤازرة للشرعية، جاء ليعبر عن وصول جميع حلفاء وداعمو حكومة الشرعية في الداخل والخارج وصناع القرار على المستويين الإقليمي والدولي، إلى قناعة تامة بأن تلك الحكومة أصبحت جزءاً من المشكلة لا جزءاً من الحل.


ولولا أن بقاءها مرتبط بشرعية التحالف العربي من جهة،  وأن زوالها سيؤدي لشرعنة سلطة الحوثي على مناطق سيطرته، لتخلى عنها العالم بأكمله منذ أمدٍ بعيد.

ومع ذلك، فإن نرجسية المسيطرون على القرار، وظنهم أن امتلاك الصبغة الاسمية للشرعية تبيح لهم تجاوز كل الخطوط الحمراء، لهو كفيلٌ بدفع آخر حلفائهم (المملكة العربية السعودية) للتفاهم مع الحوثيين والوصول معهم إلى توافق يذيب العداء ويحفظ مصالح الطرفين يكون أقل كلفة من فاتورة دعم حكومة الشرعية، التي أهدرت كل الدعم عبثاً دون تحقيق أي تقدم سوى ما حققه الجنوبيون من انتصارات، رغم الإقصاء والتهميش والعداء التي تكنه لهم القوى المستحوذة على قرار الشرعية.

بتحقق القناعة السعودية سيتم إطلاق رصاصة الرحمة على الشرعية، إذ تعيش حالة موتٍ سريري منذ عدة سنوات، بعد أن بددت كافة جهود المجتمع الإقليمي والدولي لإنعاشها، فأبت إلا أن تظل مصدر استنزاف للخارج وأداة تنكيل وعقاب للداخل.
 


دور الشرعية الدستورية في إرباك المشهد اليمني:  

- ان فشل الشرعية في التقدم عسكرياً بالجبهات شمالاً، وفي إدارة المحافظات الجنوبية وتوفير الخدمات الأساسية لمواطنيها، بالإضافة إلى تفشي الفساد والمحسوبية وظهور آثار الثراء الفاحش لدى الكثير من قيادات الشرعية، قد ساهم بإبراز الكثير من التغير في وجهة نظر المجتمع الدولي والإقليمي تجاهها ونشوء حالة تذمر تتطور من يومٍ لآخر، فيما يبدو بأنها قد تتحول إلى سياسات إجرائية تنتهي بفرض صيغة معالجة خارجية تضمن إنهاء الحرب وإلزام جميع القوى اليمنية على القبول به.

- إن الواقع الميداني  الفوضوي ما هو إلا انعكاس للبنية التي تقوم عليها الحكومة الشرعية، والتي أنتجت إضافة إلى ذلك حالة إرباك انعكست سلباً على الحالة السياسية والوضع العام للبلد برمته ، مما أسهم في تزايد ظاهرة تشظي الكياناتالسياسية ، وإنتاج فوضى عارمة أسهمت في تعدد الفصائل العسكرية ، مما قد يؤدي إلى صراع عسكري غير محدود يصعب السيطرة عليه.

- إن الشرعية أصبحت نقطة ضعف التحالف العربي، حيث أنها لم تعمل على تسخير دعم التحالف لحسم الصراع مع الانقلابيين، وبالتالي فإن ما أهدرته من الفرص المتتالية التي منحت لها ستتحول إلى مخاطر تهدد وجودها، فما تشهده جبهات الحرب من جمود لدليل دامغ بأن الشرعية لا تنوي تحرير  صنعاء وأخواتها، بل تهدف لاستنزاف أموال دول التحالف، أضف إلى ذلك تفشي الفساد والنهب الممنهج، الذي أدى إلى فقدان مصداقية الشرعية وبرزت كنقطة ضعف تهدد التحالف العربي.

إذ يرى محللون سياسيون ضرورة إجراء تغيير جذري في تركيبة الشرعية، حتى لا تصبح خارج حسابات التسويات القادمة بعد أن ثبت فشلها على كافة المستويات.
 


تنازع الشرعيات:
 
في ظل توجه المجتمع الدولي لتمكين الحوثي كسلطة أمر واقع في مناطق سيطرته، فإن دول التحالف تواجه خيارات صعبة عقب الخذلان وخيبة الأمل التي ولدتها ممارسات القوى المختطفة لشرعية الرئيس هادي، إثر تسابق فئة محدودة من الفاسدين على حصد الكراسي وتقاسم سلطات الدولة وثرواتها ودعم التحالف وتناست مسؤولياتها.

تلك القوى التي أنشأت جيوش بمئات الآلاف لحماية مكاسبهم الشخصية وتنفيذ أجنداتهم الحزبية التي ترى من الجنوب عدوٌ أهم من الحوثي، وتعد عدتها وعتادها لاحتلال الجنوب لا لتحرير صنعاء وصعده، إذ دفعتها تلك الأطماع إلى ترك التحالف يقاتل الحوثيين في الشمال بمعية قوات جنوبية، وهو الأمر الذي وضع التحالف العربي ومن يقاتل معه من الجيش الجنوبي في حرجٍ شديد أمام المجتمع الدولي، الذي أصبح ينظر إلى الأمر ويتعامل معه كما لو أن المجتمع الشمالي أصبح راضياً بحكم الحوثي متقبلاً منح الشرعية للحوثي والتخلي عن شرعية هادي وحكومته.

على الجانب الآخر يقف شعب الجنوب يتجرع كاس المعاناة والضيم والأسى والحرمان من التمتع بأبسط حقوقه على أرضه، بعد أن حررها من الحوثي ثم وقع ضحية تآمر قوى شمالية مع بعض أدواتها الجنوبية التي ركبت موجة الشرعية بالاتفاق مع الحوثي لتقوم بهذا الدور الانقلابي ضد تمكين الجنوب من استعادة حقوقه من داخل الشرعية بعد أن اكتسبت صفتها ثم اختطفتها وجردت منها كل من خالف خططها الهادفة لتجويع وتنكيل وقتل وتعذيب وحرمان شعب الجنوب من كافة حقوقه، وإرغامه على التسليم والقبول بالتخلي عن مطلب استعادة الدولة، نزولاً عند رغبات تلك القوى مقابل أن تعيد له الحد الأدنى من حقوقه الاجتماعية حال قبوله التماهي مع رغبات قوى النفوذ الشمالي.

وعلى نقيض تلك القوى الانقلابية المتدثرة برداء الشرعية زوراً وبهتاناً، يراهن ساسة الحراك والمجلس الانتقالي الجنوبي ونخبه على صاحب الشرعية الحقيقية وهو شعب الجنوب، تلك الشرعية التي منحت رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي تفويض شعبي مشروطاً بقيادة دفة الثورة الجنوبية حتى استعادة دولة الجنوب الحرة الفيدرالية المستقلة على كامل أراضيه بحدودها المعروفة حتى تاريخ 21 مايو 1990م.

وبتآكل الشرعية وحكومتها الفاسدة المفروضة على شعب الجنوب من قبل المجتمع الدولي، فإن شرعية الحكم في الجنوب خلال الفترة الانتقالية ستؤول إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، كشرعية نافذة لا محالة طالما تمسك الانتقالي بالعمل لتحقيق ذلك الشرط الذي نص عليه بيان التفويض الشعبي بتاريخ 4 مايو 2017م، باعتبارها البديل الوحيد الذي يكتسب صبغة قانونية مسنودة بتأييد شعبي عارم، وسيطرة عسكرية على الجزء الأكبر من أراضي الجنوب، وقوام مؤسسي له تواجده الفعلي على امتداد كامل الأراضي الجنوبية.