ادبــاء وكُتــاب


13 يناير, 2018 05:22:30 م

كُتب بواسطة : قاسم المحبشي - ارشيف الكاتب



حاجة الناس الى مثٌل عليا للسلوك أكثر من حاجتهم الى المواعظ.

أمس كنت مدعو للمشاركة في ورشة التصالح والتسامح التي نظمها المجلس الانتقالي الجنوبي بمناسبة الذكرى ?? ليوم التصالح والتسامح الجنوبي الذي أعلن عنه رسميا من جمعية ردفان الأهلية في مدينة عدن الباسلة في ??يناير ????م ولما كنت شاهدا ومشاركا في ثورة المقاومة الشعبية السلمية الجنوبية منذ مخاضاتها المبكرة عقب الاحتلال العسكري الشمالي الغاشم لمدينة عدن في ?/?/???م فقد استهوتني فكرة المشاركة بالورشة بورقة بحثية تتكون من ??صفحة

بعنوان ( التسامح الإيجابي والسلبي) وهي حصيلة قراءة وتجربة وخبرة معاشة وتغذية راجعة على مدى أكثر من عقدين من الزمن. ذهبت الى فندق كورال مدفوعا بحافز الرغبة والأمل بالتعرف على الثمار المفترضة لمسيرة كفاح الشعب المضنية في سبيل ترسيخ ثقافة المقاومة السلمية المحمولة على أجنحة قيم التصالح والتسامح والتضامن ورغم ما صاحبها من تضحيات غالية الثمن فقد كانت وستظل أهم المكاسب التي غنمها الجنوبيون من تجربتهم الوحدوية الاندماجية الكارثية!

أنني إذ اشكر الزميلي العزيز الدكتور حسين العاقل على دعوته الكريمة والشكر موصول للجهة المنظمة للورشة والأخ العزيز أنيس الشرفي ممثل الدائرة السياسية على هذه المبادرة الطيبة للوقوف عند لحظة كان لها في حينها قيمة بالغة الأهمية، لا يعلمها الا من عاش زخمها النضالي الحي، إذ أكسبت معنى التحدي والاصرار على التلاحم الوطني وتجاوز كل الذكريات والآلام الماضية بارادة شعبية سلمية قل نظيرها.

ذهبت أمس لكي أرى مع زملاء الدرب والنضال السلمي ما الذي بقى من معاني وآثار حركة التصالح والتسامح والتضامن الجنوبي في قلب المدينة التي تبلورت ونمت وازدهرت في أحضانها، عدن الحبيبة، التي كانت وستظل محورا ومحكا ومعيارا صادقا لقياس وتقويم التجارب والنتائج سالبا وايجابا. فماذا رأئيت هناك في قاعة شبام

في الطابق الثاني من فندق كورال الذي بدأ لي وأنا أدلف اليه اشبه بمهجع مهجورا الا من بعض العسكريين المعنيين بتفتيش الحقائب والأجساد! تأخرت عن موعد افتتاح الندوة لبعض الوقت وصلت والأخ العزيز عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي قد أنهى كلمته ورفعت الجلسة الافتتاحية لتناول الشاي والكوفي والكيك، بعدها عدنا الى القاعة لاستئناف اعمال الورشة التي اشتملت على المحاور التالية: المحور الأول :

أهمية التسامح والتصالح في تحفيز و استنهاض الوعي الجنوبي المقاوم.

المحور الثاني:

دور التسامح والتصالح في تحفيز و إستنهاض الوعي الجنوبي المقاوم.

المحور الثالث:

التحديات والمخاطر المهددة لقيم التسامح والتصالح الجنوبي، وسبل مواجهتها.

المحور الرابع:

دور المجلس الانتقالي في تعزيز قيم التسامح والتصالح ، على طريق استعادة الدولة.

وفِي سياق تلك المحاور الأساسية جاءت لأوراق المشاركة التي تم عرض ملخصاتها بمدة عشر دقائق لكل باحث على النحو الآتي:

التصالح التسامح و في مفهوم الظاهرة وأسبابها ، للدكتور سعودي علي عبيد

دور التصالح التسامح و في استنهاض الوعي الجنوبي المقاوم، للدكتور حسين العاقل

التحديات والمخاطر المهددة لقيم التصالح التسامح و الجنوبي وسبل مواجهتها ، للدكتور عبدالله باصهيب والدكتور علوي مبلغ.

أثر التسامح والتصالح والتضامن في ثلاثية الثورة ( الثورة والحليف والانتقالي ) قراءة في دلالات الأثر، للدكتور يحيى شائف الشعيبي.

رؤية علمية وعملية شاملة لمشروع التصالح والتسامح في المجتمع ، للدكتور فضل الربيعي و الدكتور نجيب إبراهيم سلمان.

في التصالح والتسامح والتضامن السلبي والإيجابي، للدكتور قاسم المحبشي .

ومن حسن حظي انني كنت آخر المتحدثين فاغتنمت فرصة وجود صديقي العزيز منصور صالح ابو أمين معاونا لرئيس الجلسة الاستاذ القدير الدكتور سعودي علي عبيد لأخذ راحتي بالحديث ربما منحني دقائق إضافية! ولكنني كنت منفعلا مما سمعت ورأيت ولم اشعر بمرور الوقت! مع خالص احترامي وتقديري واعتذاري لإدارة الورشة، كانت صادمة لي وربما لغيري ولم أكن أتوقع بأنها ستكون بهذا المستوى السقيم من حيث عدد الحضور الباهت الذي لم أجد فيه ما يتناسب مع عنوان الندوة ورسالتها وغايتها الأخيرة، أما المداخلات والمتداخلين فقد عبرت عن ضيق أفق مؤسف جدا إذ خلت من النوع الاجتماعي فلم اسمع صوت امرأة تتحدث ولم المح احدهن في المنصة . وهكذا هو حال دائما كما قال شتراوس

أن المجتمع الصغير جدا والضيق جدا هو الذي يخلو من النساء الفاعلات في المشهد العام. ورشة ذكوريّة خالصة في التنظيم والتنسيق والمنصة، فقط بعض الفتيات المعنيات بتوزيع أوراق الندوة والحاضرات لمشاهدة والاستماع ما نقوله نحن الذكور من سخافات وهذيانات شديدة الجفاف والقحط المعرفي والثقافي! وهكذا غاب عن ندوة التسامح صوت المدينة التي أنجبته المدينة الأنثى فما المدينة أن لم تكن أنثى؟! كما كتب صديقنا الأديب الدكتور مبارك سالمين في قصيدتها الرائعة لانها عدن ! فضلا عن أننا لم نجد أحد من أعضاء وعضوات الجمعية الوطنية في ورشة تعنيهم وتهمهم إذ أن حضورهم يشعر الآخرون باهمية وقيمة الورشة أيعقل انهم منشغلين بقضايا أهم من قضية التصالح والتسامح؟!

وهذا ما جعلني أصرخ بنبرة انفعالية أين أجد صوت عدن وحضرموت وشبوة والمهرة وسقطرى في هذه الورشة؟ اين هم المستهدفون بالتصالح والتسامح والتضامن في هذه الورشة؟! وتبادر الى ذهني ما قاله عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو بشأن علاقات الهيمنة ورهاناتها الرمزية، إذ أكد أن من يقبض المجرفون ويتحدث أمام جمهور ما يمارس سلطة رمزية على المستمعين فضلا عن الذين لم تسنح له فرصة الحضور لعدم دعوتهم أو لعدم علمهم بها ويتم الأمر وكأنهم غير موجودين قصدا أو سهوا! وما هكذا تورد الأبل يا أصدقاؤنا الاعزاء وصديقاتنا العزيزات في المجلس الانتقالي ومستشاريه الأكاديميين والأيديولوجيين ضيقتوها زايد على اللزوم يارفاق هداكم الرحمن. وهذا ما قصدته بالتسامح السلبي في ورقتي الذي يعني ترك الأمور تمشي على أعنتها دون أن يكون للمتسامحين موقفا محددا منها وهو يتساوي مع اللامبالاة والانعزال والاهمال أو غياب الاهتمام بمعنى عدم التفاعل والتعاون والتضامن الفعّال، إذ تجد فيه كل فرد من أفراد المدينة أو المجتمع أو المؤسسة العامة منشغل بأمور حياته الخاصة ويعزف عن الاهتمام بالموضوعات العامة التي يتشارك به مع غيره من أعضاء المؤسسة أو الحي أو المدينة أو المجتمع عامة، ويتصرف وكأنها لا تعنيه! وهذا هو المستوى الأدنى من التسامح الهش الذي لا يمكن البناء عليها لانه لايدوم على حال من الأحوال بل يظل سريع التبدل والتحول والزوال. بينما التسامح المطلوب والملح والضروري في وضعنا الحالي هو التسامح الإيجابي الذي يعني أن الفاعلين الاجتماعيين المستهدفين بالتسامح قد استشعروا الحاجة الحيوية إلى بعضهم وأن لديهم مشاعر واعية ومشتركة باهمية التعايش والاندماج في مجتمعهم ويمتلكون القناعة الراسخة باهمية الحفاظ على سلمه وسلامته ونظامه واستقراره وتنميته وترسيخة بالتسامح الفعّال بالافعال والأقوال بوصفه قيمة اخلاقية وثقافية مقدرة خير تقدير في حياتهم المشتركة وحق من حقوق كل الإنسان الذي يستحق التقدير والاحترام وهذا النمط من التسامح لا يكون ولا ينمو الا في مجتمع مدني منظم بالقانون والمؤسسات العامة التي يجب ان تقف على مسافة واحدة من جميع أفراد المجتمع بما يجعلهم على قناعة تامة بأنها مؤسساتهم هم وأن الحفاظ عليها وصيانتها وتنميتها هي مسؤوليهم جميعا، ويستشعرون في أعماقهم الدافع والحماس للعمل والنشاط والتضامن الفعّال وبذلك يمهد التسامح الشرط والمزاج العام للتضامن العضوي بين جميع أفراد المجتمع في مشروع اعادة بناء مؤسستهم السياسية الوطنية الجامعة أي الدولة على أسس عادلة ومستقرة جديرة بالجهد والقيمة والاعتبار والافراد يأتون ويذهبوا اما المؤسسات فهي وحدها التي يمكن أن تدوم إذا ما وجدت من يتعهدها بالصيانة والحرص والاهتمام . والنَّاس هم الذين يشكلون مؤسساتهم ثم تقوم هي بتشكيلهم! فكيف ما كانت مؤسساتهم الحاضرة يكونون في مستقبل الأيام ! هذا هو التسامح المطلوب في واقع حياتنا الراهنة، انه التسامح الذي لا يعني أن على المرء أن يحب جاره بل أن يجهد في أحترامه ويصون حقوقه وفقا للقاعدةالأخلاقي?ة :عامل الناس كما تود أن يعاملوك! على هذا النحو يمكن اعتبار التسامح هو الشرط الأولي لكل عيش اجتماعي مشترك ممكن ومستقر, ينتهج طريق واساليب سلمية عقلانية رشيدة في حل مشاكله ونزاعاته التي لا سبيل الى تجاوزها , وهذا لا يتم الا بالتفاوض والتفاهم والحوار الايجابي بين الفاعلين الاجتماعيين في سبيل تحقيق العدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص بين جميع الفاعلين الاجتماعيين هذا معناه ان أي حوار وتفاوض وتفاهم وتنسيق لا يمكنه أن يقوم ويتحقق وينمو ويزدهر ويثمر بدون التسامح الإيجابي الذي يرتكز على الاعتراف المتبادل بين الأطراف بالأهلية والقيمة والندية والقدرة والسلطة والنفوذ بما يكفل لكل طرف من الاطراف قول رأيه والتعبير عما يعتقده صوابا بحرية كاملة وظروف متكافئة , فالتسامح هو الشرط الضروري للتعايش والعيش بسلام والتفاهم بشأن المشكلات والأزمات والنزاعات الاجتماعية التي تنشأ في سياق الحياة الاجتماعية للناس الساعيين وراء اشباع حاجاتهم وتامين شروط حياتهم .

ويمكن تلخيص أهم شرط من شروط التسامح الفعّال بانه الاعتراف بقيمة الآخر وجدارته ونديته وحقوقه المتساوية مع الجميع اعضاء المجتمع المعني وهو نمط من أنماط العلاقة بين الذات والآخر يعني التقدير والاحترام وتكافؤ الفرص والعدالة والإنصاف والاعتراف إذ أن أكبر التي يمكن أن تصيب الإنسان هو غياب التقدير والانصاف والاعتراف و يمكن أن يتحمل المرء كل المصائب الخارجية مقارنة بالظلم والإهمال والاحتقار.

ومن هنا يعد التسامح ضرورة العيش الفعال والمشجع في الحاضر العادل الأمن المستقر الذي يجعل من الانتقال الى المستقبل أمر ممكنا بما يوفره من بيئة سلمية مستقرة وسليمة ومتعافية صالحة للتضامن والتعاون والتعاضد والتراحم والتأزر وتأليب الجهود والطاقات في سبيل تأسيس المداميك الصحيحة للمجتمع الذي نريد ان نُكوِّنه مجتمع المستقبل ودولته العادلة الآمنة المستقرة المزدهرة . وبهذا المعنى يكون التضامن مرتبة قائمة على التسامح الايجابي الفعال بين المتسامحين الذين ينشدون الذهاب إلى المستقبل الأفضل . هل من أحد يفهمني؟! والنقد صابون القلوب فإذا لم تنتقدني وانتقدك بمودة وصراحة فكيف يمكن التعرف على مكامن اخطائنا وإصلاح زلاتنا؟!

والله يشهد أنني احب المجلس الانتقالي وأعضاءه وأتمنى له السداد والرشد، ومازالت عند موقفي منذ قابلت الأخ العزيز عيدروس الزبيدي في مقره بجولدمور وكتبت رأيي. التقطوا الشفرة ولا تخيبوا ظن الناس فيكم

واقلبوا الضربة واللحن والنغم حتى تنفرج اللغمة وتستحث الهمة. وأنا أحب المجلس الانتقالي لكني أحب الحقيقة أكثر! والله من وراء القصد .