ادبــاء وكُتــاب


16 سبتمبر, 2018 04:35:27 م

كُتب بواسطة : قاسم المحبشي - ارشيف الكاتب


شهادة طويلة .... لكنها ليست أطول من الحرب والعاصفة!

لم أذهب إلى المملكة لأغراض البيع والشراء، بل ذهبت لغرض واحد ووحيد هو طلب المزيد من المعرفة العلمية فضلا عن البحث عن السبل الممكنة للخروج من الأزمنة السياسية الناشبة في بلدي ، في ١٦ مارس ٢٠١٥، ركبنا سماء دبي من مطار عدن الدولي تلبية لدعوة كريمة من مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية، للمشاركة في ورشة عمل بعنوان: (اليمن إلى أين؟) كنا أربعة مشاركين من إليمن؛ هدى علوي استاذة قانون وخبيرة بالمجتمع المدني. والدكتور سمير الشميري استاذ علم الاجتماع وكاتب رأي. وفتحي بن لزرق حقوقي وإعلامي. وناشط مدني وأنا قاسم المحبشي استاذ الحضارة والفكر السياسي.

سيّر الورشة الاستاذ الدكتور سمير تقي رئيس مركز الشرق للأبحاث والدراسات الاستراتيجية وأشرف عليها المفكر العربي الكبير الاستاذ الدكتور أحمد نسيم برقاوي.

وشارك في اوراقها نخبة متميزة من الباحثين والباحثات العرب من مختلف الأقطار العربية وحضرها ممثلين عن كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي كامستمعين فقط. وكانت ورقتي بعنوان: (اليمن :عصبية السلطة والولاء في الشمال والجنوب) في خمسين صفحة، طورتها فيما بعد ونشرتها بعنوان: رؤية اليمن من داخل النفق وفِي أوسع الأفق! نشرت في عدة مواقع الالكترونية. ورغم أن الترتيب لهذه الورشة قد تم على عجل وتحت ضغط الأحداث المتسارعة إلا أن الأوراق المقدمة من نخبة الباحثين والباحثات العرب قد حاولت التركيز على أربعة محاور أساسية هي : البنية الاجتماعية والاقتصادية لليمن. والقوى الفاعلة والمتقاتلة الراهنة. والموقف الإقليمي والدولي من الأزمة اليمنية وسيناريوهات ومآلاتها المحتملة. في أربع جلسات عمل متواصلة جرت الورشة ودارت المناقشات الجادة في فضاء رحب وسلس من تبادل وجهات النظر والآراء المختلفة والنقد البناء.

إذ طرحت أربعة سيناريوها منها: التعويل على استمرار العملية السياسية والحوار بين الأطراف المتنازعة. وأخر يرى إمكان تفكيك التحالف بين قوى الهيمنة العسكرية القبلية بقيادة صالح والحركة الحوثية الفتية المدعومة من إيران ، وآخر كان يراهن على دور ( التكتل الواسع لقوى الإنقاذ الوطني) الذي أعلن حينها في صنعاء من لفيف من الأحزاب والنخب اليمنية التقليدية ضد إنقلاب المليشات الحوثية فضلا رهان تفعيل القوى الاجتماعية والقبلية اليمنية ببعدها الطائفي السني في الشمال على أمل إنها بحكم العدد الكبير لن تسمح للأقلية الزيدية من التمدد خارج صنعاء. وكان الرهان هنا على محافظات وسط اليمن الكثيفة السكان أما السيناريو الأخير فهو الدور الحاسم لمجلس التعاون الخليجي والمملكة السعودية بالذات في ترويض الأزمة المشتعلة تحت الرماد حينذاك.

أما نحن القادمون من عدن المحتلة فقد كان رأينا من واقع معرفتنا باليمن وشعابها! إذ أكدنا أن القوى جميع القوى الشمالية التقليدية التي أنقلبت على الشرعية المهلهلة أصلا وطابورها الخامس في الجنوب تتأهب الآن لاجتياح الجنوب ، وأن كل الرهانات الأخرى ليست بذات قيمة واعتبار في واقع حال اليمن الآن مع احترامنا وتقديرنا الرفيع للزملاء والزميلات الذين كانوا يراهنون عليها بعدها مآلات ممكنة وسيناريوهات محتملة، أذكر أنني كنت شديد الإصرار على أن كل المؤشرات التي تتنضد في صنعاء حينذاك كانت تدل دلالة قاطعة بأن الحرب هي الخيار الوحيد الداهم ليس لأنني أحب الحرب وأريدها ولكن لمعرفتي بحقيقة القوى الإنقلابية الفاعلة والمهيمنة في صنعاء اليمنية ورهاناتها الاستراتيجية في ظل ضعف القوى والنخب اليمنية الحديثة والتقليدية التي اوصلت اليمن الى هذا الحال والمآل أقصد الأحزاب اليمنية التي تناهبت السلطة والسلطان في الشمال والجنوب التي يفترض أن تكون مناوئة للحركة الحوثية الطائفية المدعومة من إيران وحليفها القوي علي صالح ومؤسساته الراسخة.

كنت أردد (أن الحرب قادمة وأن عدن والجنوب سوف تحارب ولن ترضخ أبدا لغزوة شمالية جديدة لاسيما ونحن نعلم وكل العالم يعرف أن شعب الجنوب منذ عام 1994م وهو في ثورة مقاومة سلمية للاحتلال العسكري التكفيري الغاشم ويستحيل أن يتقبل فكرة أي غزوة شمالية جديدة تحت أية راية أو شعار وكل هدفه هو الخلاص من براثن هذه الاحتلال الغاشم وتحرير السيادة المغتصبة بالقوة العسكرية الفجة ؛ كنت أردد ذلك بكل ثقة وكان بعض الزملاء يبتسمون غير مصدقين ما أقوله! ورغم ذلك سارت العربة بغير ما كان يشتهي السائق ! إذ لم تمض ساعات قليلة على نهاية ورشتنا الموقرة حتى أندلعت نيران الحرب في عدن بين عصابات الأمن المركزي العفاشية والمقاومة الجنوبية في خور مكسر. كان ذلك في 19 مارس إذ لم تخني الذاكرة! وهذا ما افضى الى توقف حركة الملاحة في مطار عدن الدولي، وكان من المفترض أن نعود الى عدن على طيران فلاي دبي بحسب الحجز السابق، إلا شركة فلاي دبي اشعرتنا بتأجيل رحلتها الى عدن حتى وقت لاحق. فاضطر المركز الذي أستضافنا لنقلنا إلى فندق آخر في شارع الشيخ زايد وسط دبي.

بعد خمسة أيام علمنا أن هناك طيارة يمنية ستذهب الى عدن وهي أخر طيارة نقل مدنية تهبط في عدن، إذ طارت في غفلة من زمن الحرب المستمرة .وهكذا ركب زملائي اليمنية إلى عدن، وأنا ركبت سماء دبي الى قطر لعلني أقترب من مكان إنعقاد المؤتمر الدولي الأول ( العلوم الإنسانية أكاديميا ومهنيا : رؤى استشرافية للمستقبل ) المزمع إنعقادة في جامعة الملك سعود، كلية آداب الرياض في ٦- ٧ إبريل ٢٠١٥م والذي شاركت فيه ببحث بعنوان ( العلوم الإنسانية وسوسيولوجيا العلم المعاصر) والذي عكفت قرابة عام كامل أعمل على إنجازه.

ومن قطر تابعت اللجنة المنظمة للمؤتمر بتعاون الصديق الاستاذ عادل صادق الشبحي في الرياض وذلك لتغيير بلد القدوم بدلا من عدن الى الرياض، صارت من الدوحة الى الرياض. وفِي اثناء إقامتي العابرة في قطر شبت العاصفة، (أقصد عاصفة الحزم). فشعرت بحزن شديد، وإهانة بالغة، لم أبوح بها لأحد ابدا! إذ أحسست بأن عاصفة الحزم هي كارثة على اليمن والخليج على المدى البعيد!وليس هناك من شعور يمكنه أن يصيب المرء بأمر من الإحساس بضياع مؤسسته الوطنية الجامعة أقصد الدولة والسيادة لاسيما لشخص أفنى كل عمره في التعليم والثقافة بحثا عن دولة وطن يعزه ويفتخر به! تلك كانت ولاتزال قناعتي الراسخة، إذ لا حياة كريمة لإنسان بدون دولة وطنية سيدة تعصمه من الذل والهوان والضياع في عالم لا قيمة للأفراد والشعوب بدون مؤسسات وطنية سياسية جامعة! تحت هذا الشعور البالغ بالإهانة كتبت مقال المؤسسة التي أحبها، بهذه الترويسة:( الناس بدون مؤسسة وكيانات منظمة وفعالة أشبه بذرات في مهب العاصفة) تحت هذا الإحساس الساحق بغياب دولتي للمرة الثالثة في مهب العاصفة ذهبت إلى الرياض للمشاركة في المؤتمر الدولي الأول للعلوم الإنسانية، كنت الوحيد بين المشاركين المكسور الجناح، كلهم قدموا من مطارات دولهم وعلى أجنحة طياراتهم الوطنية رمز الهوية والسيادة وسوف يعودوا على متنها بعد إنتهاء المؤتمر! بينما كنت الوحيد الذي لا أعرف إلى أين سأذهب! أستكمل المؤتمر أعماله في7 إبريل بسلاسة ودقة متناهية وجمعت اوراقه في كتاب أنيق في ( 616) صفحة من القطع الكبير بورق عالي الجودة وغلاف أزرق اللون بالغ الرمزية والدلالة والتعبير عن الحدث وأفقه الواسع. أستضافتنا الجامعة في فندق مداريم كراون على طريق المطار مريح ومن أجمل ما يكون لمدة ثلاث أيام.

بعدها عاد الزملاء والزميلات الباحثين والباحثات العرب/ يات/ المشاركين/أت/ في المؤتمر الذين سعدت وتشرفت بالتعرف عليهم جميعهم عادوا إلى أوطانهم ودولهم وأهلهم وذويهم في مختلف الاتجاهات إلا أنا بقيت هناك في الرياض الوارفة الإسمنت والفنادق! ولكني بعيدا عن أهلي وبلدي بسبب الحرب الغاشمة في عدن الحبيبة أمسي وأصبح أغرد بهذه الكلمات:

يا طير يا ضاوي إلى عشك

قلي متى با ضوي على عشي

كم قلت للركاب من قبلك

باسير شلوني قدا خللي

حتى لقوني طرد في خيشه

قلبي من الفرقا آه كما الريشة

حنان ما في المحبه شك

لكنني لا عند من باشكي

الله يعلم حالتي ايشه

قلبي من الفرقا آه كما الريشة!



الفرحة التي خابت!



كانت نقطة الضوء الوحيدة في الرياض

هي تلك التي أتتني من عمادة كلية الآداب بجامعة الملك سعود آنذاك. إذ طلبت مني سيرتي العلمية وفِي أقل من ٢٤ ساعة حصلت على قرار التعيين أستاذا في قسم التاريخ لمادة فلسفة التاريخ والحضارة، حينما ناولني الأستاذ الدكتور عميد كلية آداب الرياض القرار الرسمي بتعييني في الجلسة الختامية للمؤتمر، كدت أطير من الفرح! لاسيما وأن لدي تجربة مريرة في متابعة إجراءات التعيين في جامعة عدن الحبيبة، إذ مكثت عشرة أعوام أتابع إجراءات التعيين وجمعت أكثر من (١٥٠٠) مستند بهذا الشأن لازالت تحكي مأساتي مع جامعة عدن الحبيبة. قال لي السيد العميد هذا قرار تعيينك أعتبر نفسك من أعضاء الهيئة التدريسية في الكلية، ودعاني إلى لحضور حفل توديع بعض الزملاء الذين أنهوا الخدمة في ديوان الأساتذة بالجامعة.

ذهبت بقرار تعييني وأنّا أكاد أطير من الفرح! إذ كان أجمل قرار سريع غمرني بسعادة بالغة قل أن شعرت بمثلها بحياتي. ويطيب لي هنا أن اشكر الاستاذ الدكتور عميد كلية أداب الرياض أنذاك. إذ لم أنسى له هذا ما حييت! وقد سنح لي المؤتمر الدولي الأول للعلوم الإنسانية فرصة التعرف على نمط مختلف كليا من أنماط الشخصية السعودية الذي وقر في الذاكرة من السرديات الرائجة وحكايات المهاجرين، وهي أنماط شديدة العتامةوالسلبية، على الضد من تلك الصورة النمطية عن السعوديين كانت دهشتي حقيقية حينما تعرفت على نخبة من الأساتذة والاُدباء والكتاب والمثقفين السعوديين، من النمط الرفيع النبل والأخلاق والتواضع والإنسانية فضلا عن الثقافة الرفيعة التي جعلتني أعيد النظر في السعودية والسعوديين على نحو كلي.

وخلاصة تجربتي في الرياض كانت متناقضة أشد التناقض؛ إذ أحسست بمكانة وتقدير عالي للذات في الوسط الأكاديمي والثقافي، وبالمقابل شعرت بإهانة بالغة المرارة في الوسط السياسي والأمني، لم أشعر بمثلها في أي بلد عربي أخر ابدا، لا بالإمارات وإلا بقطر ولا بسلطنة عمان، أما الدول العربية الأخرى فلا وجه للمقارنة معها أبدا! ومن الأسرار الذي لم أكشف عنها بشأن مؤتمر الجامعة أني أخلقت رواية مصطنعة بررت بها مشاركتي بالمؤتمر العلمي. حينما ادعيت بأنني تحصلت على عشرة الف ريال سعودي مقابل مشاركتي في أعمال المؤتمر الدولي الأول للعلوم الإنسانية في جامعة الرياض، بينما الحقيقة المرة هي أن المؤتمر لم يتكفل إلا بالسكن والمواصلات خلال يومي المؤتمر فقط، ولم يعطي المشاركين غير حقيبة المؤتمر والكتاب الذي جمعت فيه أعمال المؤتمر .والأستاذ العزيز الدكتور الأديب الناقد السعودي معجب العدواني رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر يشهد بذلك. لقد كانت لي أسباب الخاصة في إختلاق هذه الرواية عن ثمن المشاركة بالمملكة الجارة الغنية! لاتسعها هذه الشهادة. على كل حال ذهبت بعدها وانّا ممتلى الثقة بنفسي إلى فندق الشرعية اليمنية في شارع العليا، فندق رانسيس الشهير، هناك وجدت كل متعاطي وممتهني السياسة اليمنية وزراء ورؤوساء الأحزاب ومشايخ وسلاطين وقادة معسكرات وفرق عسكرية وأعضاء مجلس النواب ومجلس الشورى ومستشارين ومرافقيهم من الذكور والإناث اليمنيات من أصغرهم إلى أكبرهم، من اليدومي إلى الاندومي! وكتبت قصيدتي في فندق الفيصلية بعنوان : وجدتهم هنا ولم أجد الضحايا! قلت في مطلعها:

كل الذي كانوا بصنعاء يحكمون

ويفسدون وينهبون ويفتكون

كل الذي كانوا علينا يطلقون

النار ويتقلوا النساء والأطفال

في تعز وفِي عدن والمكلا

وجدتهم هنا ولم أجد الضحايا

وجدتهم بكامل الاسماء

والسحنات واللهجات

وبلا خناجر أو زنازن

هذا حميد وذاك سلطان

وهذا شايف وَذَا سنان

هذا يريمي وذاك أبي

وهذا من ذمار

وجدتهم هنا

ولم أجد الضحايا

وقد وضعت في تلك الخاطرة العابرة في مهب العاصفة حدا واضحا بيني أنا القادم إلى الرياض بدعوة رسمية من جامعتها ولغرض معرفي علمي أكاديمي مدفوع ثمنه من مالي الخاص، وبينهم هم الذين توفدوا اليها هربا من بضعة زعران مسلحين من أنصار الله الذين اسلموهم مقاليد السلطة في صنعاء، حيث تَرَكُوا البلاد والعباد وهدمة الحصون والأبواب ولاذوا بجلودهم مرتدين عبايات نساءهم، وبعضهم مثل دور زوجة سعادة السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر كما كشّف قبل يومين حكاية تهريب علي محسن الأحمر من صنعاء إلى جيزان! وفي رانسيس الفندق الفخم قابلت المحلل السياسي إبراهيم مرعي عبر تنسيق من زميلتنا العزيزة نعيمة عكوش من الجزائر، وهي إعلامية مخضرمة في التلفزيون الجزائري. المهم جلست مع مرعي وأعطيته نسخة من دراستي: (رؤية اليمن من داخل ألنفق وفِي أوسع الأفق) وطلبت منه يوصلها إلى القائمين على مجلس التعاون الخليجي. حاولت تفهيمه حقيقة الأزمنة اليمنية ومعنى القضية الجنوبية العادلة! ولكنه كان في سكرة العاصفة وقناعتها الراسخة شديد الإصرار على عدم الفهم واتذكر الآن أنه رد علي حينها بعد حوار مضي قائلا: يادكتور الله يحفظك أنسوا الآن الجنوب ومظالمه... تلك قضية جزئية صغيرة ولدينا قضية قومية كبيرة هي اليمن والجزيرة والمنطقة العربية في مواجهة الهيمنة الإيرانية! قلت له باللهجة الجزائرية لابأس عليك! كان ذلك اللقاء اليتيم بعد أسبوعين من العاصفة ثم توادعنا وكل منا ذهب إلى حال سبيله؛ هو ذهب إلى القنوات الأخبارية العربية يتحدث عن اليمن وأزمتها التي لم يفهمها ابدا! وأنا ذهبت إلى مكتب الهجرة والجوازات في الرياض أبحث عن وسيلة لتجديد الإقامة التي أنتهت قبل تمكني من العودة الى عدن بسبب الحرب والعاصفة ولكنني للأسف الشديد لم أجد السبيل لتجديد إقامتي مما أضطرني إلى دفع الغرامة كل عشرين يوم عن كل دقيقة تأخير!

في فندق رانسيس الشرعية اليمنية، هالني ما رأيت وشعرت بحالة حسرة بالغة على وطني المحمول على أجنحة تلك الكائنات البأسة. لم أجد بينهم شخصا مهموما بالكارثة التي أوصلونا اليها، جلهم كانوا يبتسمون ويستقبلون زوارهم بكل أريحية ويتملقون للأخوة السعوديين ويكذبون عليهم بكل خسة ودناءة، ويعلنون استعدادهم لهم لتقديم الخدمات من أي شكل ولون!

لم أجد بين من حضروا مؤتمر حوار الرياض شخصا يشعر بهول الكارثة وفداحة المسؤولية تجاه دولة وشعب تعداد سكانه ثلاثة أضعاف سكان المملكة! وبسبب هذا المصادفة السيئة - أقصد مصادفة وجودي في رياض الشرعية اليمنية الهاربة- تم تسجيل أسمي في القوائم الأولية لمؤتمر الحوار اليمني بالرياض ولكنني رفضت المشاركة في أعماله وكتبت ليلتها منشورا يوضح موقفي من المؤتمر والمشاركين، لاسيما بعد أن تم تسريب اسمي في كشوفات المؤتمر الذي لم أعرف موقعه! واليكم ما كتبته ليلتها، بعنوان: موقفي من مؤتمر الرياض على النحو الآتي:



((بِسْم الله الرحمن الرحيم

معالي صاحب الجلالة والسمو ،الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، خادم الحرمين الشرفيين، السادة أصحاب الفخامة والسمو في دول مجلس التعاون الخليجي دمتم بخير وسلام.

في البدء نتقدم إليكم بوافر التقدير والاحترام على كرم الضيافة وحسن الاستقبال لنا نحن اليمنيون في دياركم العامرة بالاستقرار والنماء.

ونأسف على ما تسببناه لمعاليكم من زحمة وحرج بتحميلكم تبعات أزمتنا السياسية العويصة، كما نشكر جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز على هذه المكرمة الحانية بجمع شمل اليمنيين في مؤتمر الرياض الوطني الشامل، والشكر موصول للملكة الجارة الرحيبة.

لمنحنا هذه الفرصة النادرة للتفاهم في سبل الخروج من أزمتنا الطاحنة.

واسمحوا لي أن أضع عليكم بعض المحاذير التي أراها من زاوية اختصاصي الأكاديمي بتاريخ الفكر السياسي، فأنا هنا اليمني الوحيد المتخصص بتاريخ الفكر السياسي والحضاري للشعوب على النحو التالي:

أولا: أعلموا أن ما ينقص اليمنيون اليوم هو الدولة الوطنية العادلة، وبسبب غيابها صرنا جميعا عالة عليكم بوصفنا جيرانا كما كنا منذ عهود سابقة بنِسَب متفاوتة، والأمل يحدونا بكم لمساعدتنا في تأسيس دولتنا الوطنية المستقرة التي ستكون باْذن الله عامل استقرار وسند وعون لدول الخليج ضد كل تهديد إيراني قائم وقادم ومحتمل.

ثانيا: أعلموا أن اليمنيين كل اليمنيين سيقفون صفا واحدا ضد مشروع المليشيات الحوثية الطائفية المدعومة من إيران، ويستحيل عودة اليمن إلى حكم الكهنوت البغيض مهما كلّف الأمر.

ثالثا: كنّا نأمل أن يكون مؤتمر الرياض وقفة جادة ومتبصرة ومسؤولة تجاه اليمن وشعبه ومستقبله يخرجه من محنته إلى برّ الأمان باقل خسائر ممكنة، غير أننا للأسف الشديد صدمنا من نوعية المدعوين للمشاركة في أعماله، إذ أن معظم هؤلاء هم سبب خراب البلاد والعباد منذ خمسين عام،

فهم ذاتهم الذين تحاورا في صنعاء وعدن وعمران وعمان قبل الوحدة الموءوة وبعدها، ورهانكم عليهم مصيره الخذلان والبوار وستذكرون معنى هذا الكلأم في قادم الأيام.

رابعا: أن الأزمة اليمنية ونتائجها المتمخضة اليوم هي حصيلة جملة من الأسباب العميقة، والأسباب أربعة: ظاهرة وخفية، وقريبة وبعيدة، فابحثوا في أسبابها الخفية والبعيدة، إن أردتم فهمها والمساعدة في حلحلتها بما فيه الخير والصلاح للجميع.

خامسا: تعد القضية الجنوبية قطب الرحى في كل ما نحن فيه من حال ومآل، ويجب أن تكون هي لا غيرها أولى مهام مؤتمر الرياض يبحثها بجدية وشفافية وحيادية تامة لوضع المقاربات الممكنة لحلها بما يرضي جميع الأطراف.

سادسا: أن بناء وتأسيس الدول لا يقوم ولا يدوم إلا على أساس قوة الحق؛ حق كل مواطن في أرضه ووطنه بغض النظر عن مواقفه واتجاهاته السياسية والأيديولوجية، والدين لله والوطن للجميع! وسبب خراب اليمن يكمن في أن النخب السياسية الغبية جعلت من حق القوة قاعدتها الاساسية، إذ أن كل من استولى على السلطة أقصى الآخرين منذ ١٩٦٢ في صنعاء وعدن بنِسَب متفاوتة العنف والقسوة إلى أن جاء من يقصي جميع الإقصائيين، جاء من غياهب التاريخ وأعلن نفسه مالك اليمن وما عليها تحت رأية طائفية من خارج التاريخ،. اسمها ( أنصار الله) والحق اللهي والبطنيين والمسيرة القرآنية والصرخة الإيرانية.

سابعا: أن حاجة اليمن الى السلام والتنمية أكثر من حاجتها للحرب والتدمير، وياحبذا لو تم استبدال عاصفة الحزم الحربية بعملية إعادة الأمل لأهل اليمن الكرام الذين يستحقون العيش بجواركم بكرامة واحترام، وقد حان دمجهم بمجلسكم الموقر؛ مجلس التعاون الخليجي، قبل أن تستفرد بهم إيران أو إي قوى سياسية خطرة أخرى.

واليمن جاركم وهو أولى بخيراتكم

ومن الخطاء التفريط به وتركه مطمعا لكل من هب ودب من القوى الإقليمية المتربصة بالجزيرة العربية.

والله من وراء القصد! ))

هذا كان موقفي ووجهة نظري في مؤتمر الرياض، وأتذكر ليلتها تعليقات بعض الأصدقاء المستغربة من موقفي ومنها تعليق الاستاذ الدكتور العميد السابق لكلية الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض وهو صديق عزيزي جمعتني به عدة مؤتمرات علمية خارج المملكة، إذ كتب لي نصيحة محب قائلا: " أيش بيك دكتور قاسم تغرد خارج السرب! كن مع الأجماع ياصديقي ولا تشذ أرجوك" وكان ردي : ياأستاذي العزيز إنني أرى الرياح تهب بغير ما تشتهي السفن وربما يتذكر كلامي الآن؟!

على كل حال قلت رأيي هذا وسجلت موقف للتاريخ فقط رغم علمي بأن لا حد يصغي لي حينها، وقد أخبرني أحد الأصدقاء الأعزاء بأن هذا الموقف سيكلفني الكثير، قال لي : الله يستر عليك وقّف عند هذا أو صمت قليلا الله يحفظك! مضت الأمور بعدها بصعوبة بالغة في الرياض، إذ وجدت نفسي غريب الروح والجسد وسط زحام مترهل من المتكيفين، وما أصعب أن يكون المرء صادقا وسط مجموعة من الأوغاد! خسرت الوظيفة بالجامعة بسبب الوشاية اليمنية ودفعت ثمن الإقامة غاليا، بينما تلاميذي وكثير من الملتحقين في ركب الشرعية الهاربة بعضهم لا يعرفون أصلا لماذا جابوبهم اليها أقصد الرياض! كانوا يتنعمون بالرعاية الكاملة تحت شعار مكرمة صاحب الجلال الملك سلمان بن عبدالعزيز. وخلال مكوثي في الرياض كتبت أكثر من مئة مقال في الصحف الخليجية والسعودية، وشاركت في عدد من الندوات والمؤتمرات العلمية الخارجية بالإيميل لعدم تمكني من الخروج وأنّا بدون إقامة، طليت من بعض القنوات الفضائية ، منها الأخبارية السعودية وسكاي نيوز وقناة عدن والشرعية، وكانت المقابلة التي قصمت ظهر البعير هي في قناة سكاي نيوز بشأن أستبدال خالد بحاح بعلي محسن الأحمر، إذ قلت ليلتها ( هذا قرار تدوير النفايات السياسية ولن يخدم العملية السياسية. الجنرال العجوز جواد خاسر وهو جزء ضليع بالأزمة ولا يمكن أن يكون رهان حلها وغير ذلك من الكلام الواضح) بعدها منعت من المقابلات في كل الفضائيات العربية الخليجية.فانشغلت بكتابة مقالات وخواطر شعرية في مهب العاصفة!

واتحدى أي أحد من مفكري ومثقفي وإعلاميي الشرعية اليمنية الهاربة يقول أنه كتب مثلي في مقارعة الإنقلاب والإنقلابيين! وعلى كل حال إليكم بعض مما عملته في مقاومتي الإنقلاب الطائفي الحوثي قبل وبعد الرياض :

- دراسة بعنوان رؤية اليمن من داخل النفق وفي أوسع الأفق. مقدمة لمجلس التعاون الخليجي في ورشة اليمن إلى أين المنعقدة في دبي بتاريخ 18مارس 2015م.

- روية سياسية وضع الجنوب في ضوء الإعلان الدستوري للحوثي, عدن الغد بتاريخ 6/2/2015م

- مقال هادي لعبها صح صنعاء متمردة وعدن شرعية عدن الغد بتاريخ 23/ 2/ 2015م

- مقال بعنوان ماذا يفعل (انصار الله) في البيضاء؟ عدن الغد بتاريخ 14/2/ 2015م.

- قرارات الحوثي الباطلة في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 28/7/ 2015م.

- علي عبدالله صالح واللعب بورقة القاعدة في اليمن ، الشرق الاوسط 26/8/ 2015م.

- علي عبدالله صالح والرقصة الاخيرة على رؤوس الأفاعي! عدن الغد 31/ 8/ 2015م.

- دلالات اختفاء السفير الإيراني من صنعاء! صحيفة الشرق السعودية 1/9/ 2015م.

- كيف اصبح الحوثي حليفا لإسرائيل؟ في صحيفة العرب اللندنية بتاريخ 3/ 12/ 2015.

- إيران وعقيدة العنف المقدس! صحيفة الشرق السعودية بتاريخ 3/10/ 2015م.

- إيران واللعب بالنار ! صحيفة الشرق السعودية بتاريخ 6/ 1/ 2016م.

- معوقات التفاوض مع المليشيات الحوثية ، صحيفة مكة بتاريخ 10/ 10/ 2015م.

- عدن تبحث عن الأمن والاستقرار، عدن الغد 5/ 1/ 2016م.

- يا أهل تعز تضامنوا ، عدن الغد 29/ 11/ 2015م.

- من المسؤول عن هذا العبث الدامي في تعز؟ عدن الغد 26/ 10/ 2015م.

- تضامنوا مع تعز في محنتها!عدن الغد 21/10/ 2015م.

- المشغولون في الشأن العام والإعلام ، عدن الغد، 14/ 9/ 2015م.

- إيران بعد تشعل النيران تلوذ بالهرب! عدن الغد، 9/9/ 2015م.

- ماذا يحدث في مارب؟ تساؤلات حارة في مهب العاصفة! عدن الغد 5/9/2015م.

- في الفرق بين قطرنة الدقون وقطرنة العقول ! عدن الغد 4/9/ 2015م.

- كيف يمكن إدماج اليمن في مجلس التعاون الخليجي؟ عدن الغد 29/8/ 2015م.

_ في ألف باء السياسة والحكومة الشرعية!عدن الغد 24/8/ 2015م.

- عندما يتحدث الحذيفي عن الحرب والسياسة ! عدن الغد 8/8/ 2015م.

- ليس لديهم لا زيت ولا زيتون ولكنهم يتاجرون! عدن الغد 17/5/ 2015م.

وغير ذلك من المقالات والتصريحات الصحفية في العديد من الصحف

كما أجريت معي مقابلات تلفزيونية كثيرة كمحلل سياسي في الشأن اليمني والعربي منها :

- مقابلة في قناة عدن الشرعية في الرياض برنامج يوميات المقاومة وكانت هي أول مقابلة افتتاحية للبرنامج لمدة ساعتين مع المذيعة كفى هاشلي بتاريخ 9/5/ 2015م.

- مقابلة مع قناة الشرعية في الرياض مع المذيع سلمان العولقي عن عاصفة الحزم ودور دول التحالف العربي في اعادة الأمل لليمن بتاريخ11/5/2015م.

- مقابلة في القناة الأخبارية السعودية مع المذيعة طرفه الجيزاني بتاريخ، بشأن أهمية تطبيع الأوضاع في عدن والمدن المحررة وأهمها عدن الباسلة كررت ليتلتها مقولة ( عصفور باليد ولا عشرة فوق الشجرة! 19/5/2015م.

- مقابلة في قناة سكاي نيوز مع المذيع أحمد الحمد بتاريخ 5/6/ 2015م.

- مقابلة مع قناة الأخبارية السعودية مع المذيعة حفصة عن عملية إعادة الأمل بتاريخ 10/ 6/ 2015م.

- مقابلة في قناة عدن الشرعية مع المذيع فؤاد التميمي، بتاريخ 5/7/ 2015م.

- مقابلة في قناة الشرعية مع سلمان العولقي بتاريخ 8/ 7/ 2015م.

مقابلة في قناة السعودية الأخبارية برنامج المشهد اليمني مع المذيع مبارك العصيمي، بتاريخ 1/11/ 2015م.

- مقابلة في قناة عدن الشرعية في جدة مع المذيعة هدى الكازمي بتاريخ 2/1/ 2016م.

- مقابلة في قناة عدن الشرعية في جدة برنامج حديث الساعة مع المذيع فؤاد التميمي بتاريخ 2/ 2/ 2016م

- مقابلة في قناة عدن الشرعية بجدة مع المذيع أسامة عدنان في شهر فبراير٢٠١٦م

-مقابلة في قناة حضرموت بجدة برنامج زوايا مع المذيع صلاح بن جوهر عن الشأن اليمني في فبراير ٢٠١٦.

- مقابلة في قناة سكاي نيوز العربية مكتب جدة برنامج الصحافة العربية 20فبراير - ٢٠١٦ مقابلة في قناة سكاي نيوز العربية بجدة في مارس ٢٠١٦.

- مقابلة في قناة عدن الشرعية بجدة برنامج يوميات المقاومة إبريل ٢٠١٦. وغير ذلك من الكتابات الصحفية والمقابلات التلفزيونية في القنوات السعودية واليمنية الشرعية.

وقد علمت أن قناة المسرة الحوثية نشرت اسمي مع صورتي عقب مؤتمر الرياض بوصفي من خونة الوطن وعملاء العدوان الأمريكي السعودي!

وهكذا لا تجملنا ولا نجينا،وكل شيء بثمنه ياعزي!

واعترف هنا والحق يقال بانني رفضت الحديث في قناة الأخبارية السعودية حينما طلب مني الرد على (( الإشاعة التي تقول أن العلاقة بين الشعبيين السعودي واليمني قد استأت بسبب عاصفة الحزم)) هكذا كان عنوان الحلقة التلفزيونية التي رفضت المشاركة فيها، إذ قلت لمن طلب من ذلك هذه ليست إشاعة ياعزيزي! أنها حرب والطائرات تغير كل يوم من المملكة لتدك اليمن السعيد وأنا أكاديمي أعرف الفرق بين الواقعة والإشاعة لن أتكلم في برنامج كهذا ابدا وستجدون الكثير من المتخصصين في مجال الرد على الإشاعات اعتذر)!وهكذا كنت الوحيد الذي كان يغرد خارج السرب للأسف الشديد.

رغم أنني دفعت ثمن موقفي المنشور من مؤتمر الرياض غاليا ولازلت خاصة وأنه جرى تأويله وتفسيره بانه اعتراض على الإرادة الملكية المتمثلة في جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز آلِ سعود، وهذا تفسير وتأويل لم ينزل الله به من سلطان و لم أكن اتوقعه! ولكن هكذا تدار الأموار في أزمنة العواصف العمياء، قلت كلمتي وسجلت موقفي ودفعت ثمنه ولم أندم أبدا! نعم أنا صعب التكيف مع الكذب والتزييف والتنميط وهذا ديدني منذ عهدت الكلام، خسرت الكثير من المكارم والنعم ولكني أحتفظت بضميري نقي، وقد كاد يتلوث لولا حسنات الصدف، إذ يعصب على المرء أن يحتفظ بالنظافة الشخصية في مجتمع تهيمن فيه الهرجلة والرثاثة. لست مدان لأي طرف من الأطراف وهذا يكفي.

وها نحن وقد أصبحنا وأصبح الملك لله أتمنى على أصدقائي الأعزاء الذين لاموني على موقفي العلني من مؤتمر الرياض، الذي كتبته في رانسيس منتجع الشرعية اليمنية، وهو الموقف الوحيد المعلن حينها الذي عبر عن حاجة اليمن بصدق وقال لا للعبث والكذب ! إذ طار في بضع ساعات كالنار بالهشيم وتم تأويله على أنحاء لم تكن بحسباني ابدا! أتمنى على الجميع بما فيهم الشرعية اليمنية والأخوة في السعودية أن يعيدوا التفكير فيما قلته لهم ليلتها بشأن المؤتمر ومن شاركوا فيه. ويا ساهن من الظبية لبن! وكما أن أهل مكة أدرى بشعابها! فكذلك هم أهل اليمن أدرى بشعابها! وهكذا كانت الحكاية.

فكان ما كان مما لست أذكره

فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر!

ربما خسرت مال كثير ولكنني اشتريت حريتي واحتفظت بضميري نقي وتلك جواهرة لا تقدر بثمن من الاثمان، وكل شيء قابل للأصلاح والرئب والتطهير إذ إعوج أو انكسر أو تلوث أما ذات الإنسان وضميره فهي أغلى ما عنده، ولا فائدة لو ربح الإنسان العالم وخسر نفسه! والحمد لله لست مدان لأحد من بني الإنساني غير أمي وأبي وإخوتي وأصدقائي المخلصين، وهذا ما يجعلني اخيرا اقول براحة ضمير: )أنا حر ولكن بلا وطن ولا سيادة وهذا أمر ليس بإرادتي) والشهود أحياء. وهكذا هو الحال دائما: نادراً ما فهمتوني ونادراً ما فهمتكم أما حينما نسقط كلنا بالوحل حينئذا فقط يمكن أن نتفاهم! وهل هناك وحل أوحل من هذا الذي سقطنا فيها ياطويلين العمر؟! ودمتم بخير وسلام ورمضان كريم وخواتم مباركة، وليس بالحرب وحدها تعيش الشعوب وتصفى القلوب.السلام السلام السلام هو الأمر الملح الذي تحتاجه اليمن الآن.



ومن المواقف الطريفة التي أتذكرها الآن أن زلت لسان ووجهة نظر في الحرب والعاصفة أخفت مقابلتي من الشبكة في قناة السعودية سألتني المذيعة حفصة الشامية: ما هي في رأيك الأسباب التي أخرت حسم الشرعية اليمنية للمعركة مع المليشيات الحوثية؟! قلت لها أسباب كثيرة منها تعدد أطراف المتخالفة الأهداف والغايات، وسبب أخر مهم هو تدخل التحالف في الحرب بقيادة المملكة السعودية وعاصفة الحزم جعل الكثير من اليمنيين يفتقدون الحماسة للانخراط بمقاومة القوى الانقلابية ومنح الملشيات قوة خفية بوصفها تتصدى لعدون أجنبي ، ولو أن التحالف العربي والشقيقة الكبرى عملت على إعادة تشكيل الجيش والمقاومة الجنوبية والجيش والمقاومة الشمالية ودعمهم بالمال والعتاد العسكري الكافي وكفت عن التدخل المباشر لكانوا حسموا المعركة في بضعة أيام! بوصف الحرب أهلية بين قوى أنقلابية طائفية وشعب كيانات وطنية داخلية. العاصفة غيرت معنى الحرب اليمنية ١٨٠ درجة لصالح القوى الإنقلابية وفِي تلك المقابلة غلطت باسم جلالة الملك سلمان إذ أسميته سليمان فارتبكت المذيعة بشدة وكأنني أرتكبت فاحشة محرمة! كانت تلك المقابلة هي الرابعة والأخيرة لي ! ودفعت ثمن زلت اللسان تلك غاليا ولم يشفع لي الأسف والاعتذار على الهواء مباشرة حينها. كنت صادقا في الأولى ولاراديا في زلت لساني! ورغم كل ما جرى لي الا أنني لم أندم ابدا ومازلت عند رأيي العاصفة كارثة على اليمن والمملكة الجارتين.



استدراك هام: طبعا كتبت هذا بحافز الشعور والاعتقاد الراسخ بان تلك النتائج التي تمخضت عنها الحرب والعاصفة لم تكون هي النتائج المرجوه من كل الأطراف: عاصفة الحزم ودول التحالف العربي والشرعية والحراك الجنوبي وحتى الحوثي وعلي عبدالله صالح نفسه! أما إذ كانت المملكة ودول الخليج المشاركة بالحرب قد استهدف هذه النتائج التي بلغناه الآن فتلك هي أم الكوارث وداهية الدواهي.هذا رغم أنني منذ بضعة أيام آخذت أردد بيني وبين نفسي

فظيع جهل ما يجري

وأفظع منه أن تدري

وهل تدرين ياصنعاء

من المستعمر السري

وهلمجراء وهلمجراء

والخلاصة التي خرجت بها من تجربتي مع الأخوان الجيران في الخليج العربي والمملكة العربية السعودية هي أن الصدق حرام وممنوع الكلام الصادق وأن أردت أن تترزق عليك أن لا تكون صادقا لا مع نفسك ولا معهم وحتى وأن كان صدقك بصالحهم.