الدكتور بليغ يكتب

الثلاثاء - 01 مايو 2018 - الساعة 11:20 م بتوقيت اليمن ،،،

تحديث نت/خاص


في 13 فبراير 2018 م أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مجلس الأمن الدولي في رسالة بقراره تعيين البريطاني غريفيث مبعوثا أمميا خاصا إلى اليمن خلفا للموريتاني ولد الشيخ أحمد. وبعد مرور يومين أي في تاريخ 15 فبراير 2018 م وافق المجلس على التعيين دون معارضة من أي عضو بحسب موقع فرانس 24.
ولم يكن (غريفيث) البريطاني الأول الذي يشارك في إدارة الملف اليمني بشكل عام , ولم يكن الأول أيضا الذي يدخل على المشهد, في ظروف صعبة وتوقيت يدعو للتساؤل , فمن منكم لا يذكر السفيرة البريطانية ( جين ماريوت ) التي عينت في منصب سفيرة للمملكة المتحدة في صنعاء في يوليو 2013 م بقرار من الملكة (إليزابيث) , والتي كان لها تأثير كبير حينها وتعددت ردود الأفعال حول لقاءاتها ونشاطاتها مع مختلف الأطراف في تلك الفترة .
وكما حصل مع جين ماريوت في حينها, عندما كتبت أن وظيفتها القادمة هي نقل السلطات , أو على الأقل جزء منها ,, إلى الجنوبيين , و أنها أتت إلى منصب سفيرة المملكة المتحدة بمجموعة من المهارات والقدرات التي تمكنها من أداء دورها المناط بها وتمكنها من النجاح في القيام بوظيفتها , وبخلفية وتجربة سياسية كبيرة في شأن نقل السلطات من طرف وقوى سياسية إلى أخرى في بلدان سابقة كالعراق وأفغانستان وإيران والكويت ,مثلها جاء (غريفيث ) في توقيت حساس للغاية , وجاء بخلفية اجتماعية و تعليمية وسياسية وفكرية في شؤون إدارة الصراعات والتفاوض وصناعة السلام والعمليات الإنسانية , تساعده في التعامل مع هذا الملف الشائك والبالغ التعقيد .
ولذلك قبل الدخول في التعليق على إفادته إلى مجلس الأمن , وتقديم اجتهاد لقراءة معاني رسالته , وتحديد النقاط الهامة التي أوردها وما تعنيه لكل الأطراف المعنيين , لابد لنا من أن نعرف من أين أتى هذا الرجل؟ ولماذا أتى الآن ؟ وماذا يعني تعيينه من قبل هيئة الأمم المتحدة ؟ لنتمكن من عمل قراءة صحيحة ومفيدة وذات جدوى .
ذلك أن معرفتنا لخلفية اختياره و لهذه المهارات والخبرات التي يمتلكها, ستمكننا من معرفة وظيفته , وبالتالي ستمكننا من معرفة التوجه الدولي الحالي , وكذلك تأثير اللاعبين الدوليين , كل بحسب مصالحه وتوجهاته , ومنطلقاته , مما سيساعدنا على اتخاذ قرارات سياسية صحيحة .
لنبدأ بمسألة هامة , ألا وهي التغير الذي لحق معايير اختيار المبعوثين الدوليين إلى اليمن من قبل الأمم المتحدة , فقد كان الأول والثاني واعني المغربي (جمال بن عمر) ( والذي امتدت فترة عمله لأربع أعوام من 2011م- 2015 م ) و الموريتاني( إسماعيل ولد الشيخ ) ( والذي امتدت فترة عمله لثلاث أعوام من 2015م- 2018 م ) عربا ومسلمين , ولديهم قضايا سياسية في البلدان التي ينتمون لها تقارب مع بعض القضايا في اليمن , ولكن الأخير واعني (غريفيث) مسيحي غربي , وبالتالي فان ما يستنتج هنا , أن هيئة الأمم المتحدة قد غيرت من تكتيكاتها في التعامل مع الحالة اليمنية وما يجري فيها من حروب وما تحمله في جوفها من قضايا محلية متشابكة فشل المبعوثان السابقان في إيجاد حل لها أو تقدم في تجاه الحلول على اقل تقدير , وخصوصا القضية الجنوبية , وهو ما ظهر واضحا في إفادته الأخيرة , الأمر الآخر الذي يفهم من طبيعة الاختيار للمبعوث الدولي هو أن هيئة الأمم ذاهبة في اتجاه فرض حل سياسي نهائي للحرب في اليمن , ويفهم بالتالي أن هناك سعيا دوليا جادا من اجل إعلان انتهاء هذه الحرب في المدى المنظور, وهنا لا يمكن أن نتجاوز هذه النقطة دون ذكر التاريخ , التاريخ الغير ناجح للمبعوثين الاممين العرب السابقين , وليس (الأخضر الابراهيمي) ( والذي لن تكون هذه هي المرة الوحيدة التي سنذكره فيها ) وتاريخ عمله في حل القضايا اليمنية ببعيد .
الآن لننتقل إلى خلفية هذا المبعوث الاممي (العدني ) , وسأركز خلال سردي لسيرته على النقاط التي تمس موضوعنا وتفيده .
ولد البريطاني مارتن غريفيث الأب لطفلين في العام 1951 م , ويعتبر واحداً من أهم الدبلوماسيين الأوروبيين وفقاً للأمم المتحدة فهو المدير التنفيذي للمعهد الأوروبي للسلام في بروكسل، ولديه خبرة واسعة في حل النزاعات والتفاوض والشؤون الإنسانية.
كان مديرا و مؤسسا لمركز الحوار الإنساني في جنيف، الذي كان يتخصص في الحوار السياسي، وقد استمر في ذلك المنصب من عام 1999 إلى عام 2010. كما عمل أيضا في السلك الدبلوماسي البريطاني في صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إضافة إلى عمله في منظمة (أنقذوا الأطفال)الخيرية . عُين مديراً للشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في جنيف في عام 1994 وأصبح منسق الإغاثة الطارئة لها في نيويورك عام 1998.
كما شغل منصب منسق الشؤون الإنسانية الإقليمي للأمم المتحدة في منطقة البحيرات الكبرى، والمنسق الإقليمي للأمم المتحدة في البلقان برتبة الأمين العام المساعد للأمم المتحدة . (ولعل هذا يفسر ترشيحه للعمل على الملف السوري )
قام بدور دبلوماسي كبير في عملية نقل الوساطة في الأزمة السورية من ( الأخضر الإبراهيمي ) إلى (ستيفان دي ميستورا ) عندما كان رئيساً لمكتب الأمم المتحدة في دمشق.
طوّر نماذج للحوار السياسي بين الأطراف المتنازعة في عدد من البلدان في آسيا وإفريقيا وأوروبا بين عامي 2012 و2014، وساهم في تأسيس شركة " إنترميديات" الخيرية في لندن والتي تعمل على حل النزاعات والتوسط في حل النزاعات، وهذا أكسبه شهرة عالمية واسعة في هذا المجال.
في العموم يرى (غريفيث) مبدئيا من واقع مشاركته وخبرته في الوضع السوري أن الحرب في اليمن تختلف عنها في سوريا، إذ يرى أن الحل وارد في سوريا بعكس اليمن التي تتضاءل فيها الحلول وتتفاقم الأزمة الإنسانية أكثر فأكثر، فهي أسوء من العراق وجنوب السودان وذلك بحسب موقع البي بي سي .
حسنا هذه باختصار سيرة (غريفيث وخلفيته) , ولان الشيء بالشيء يذكر , أود هنا أن انقل لكم أيها الأحبة الكرام جزءا من تجربته في سوريا , وكيف تعامل مع هذه التجربة عندما انتقل إلى اليمن .
فبحسب موقع عين الشرق الأوسط أو (Middle East Eye ) كتب (غريفيث) في العام 2016 م متحدثا إلى الجزيرة الانجليزية حول جبهة النصرة وانشقاقها عن القاعدة ( إن عملية السلام ليست إجراءا يتم تصميمه بكمالية ) مضيفا بان على أي وسيط أن يغتنم الفرص كلما أتيحت له . في كلمة أخرى كتب ( إن حكم أي منطقة يأتي بمسؤولياته ) وأضاف ( أن الاعتماد على فطنة و حسن تقدير السكان المحليين للأمور , ليس ملجئ أخيرا , بل هو أداة قوية ) وقد عمل على تطبيق هذا في اليمن لاحقا , عندما قام (غريفيث) مدعوما من منظمات تابعة للاتحاد الأوروبي بتضخيم أصوات المدنيين اليمنيين والنساء الجنوبيات في مجموعة السلام .
مما سبق , يمكننا أن نفهم أن (غريفيث) جاء ليحل وضعا معقدا للغاية , وجاء بحسب خلفيته ومهاراته وخبراته ليقوم بادوار معينة نذكر منها التالي:
1- تحديد الأطراف السياسية الفاعلة و القادرة والراغبة في الجلوس على طاولة المفاوضات سواء في دائرة اليمن الجغرافي شمالا وجنوبا , أو في دائرة اللاعبين الإقليميين ونعني دول التحالف (السعودية والإمارات ) وإيران وعمان الخ .
2- بناء و إيجاد آلية حوار وتفاوض حقيقية وقابلة للتطبيق لمجموع هؤلاء الأطراف , وبما يكفل تحديد الداعمين أو المعرقلين لعملية السلام الجارية والتي تحظى بموافقة ودعم هيئة الأمم المتحدة .
3- إيجاد حلول حقيقية وعاجلة للازمة الإنسانية الحاصلة في اليمن , وتحديد معرقلي عمليات الإغاثة والأطراف التي تقوم بتسيس عمليات الإغاثة , وصياغة ملفات التي تم فيها انتهاك حقوق الإنسان أو تعطيل سير عمليات الإغاثة أو العبث بها , كأدوات ضغط تستخدم على طاولة المفاوضات .
4- إيجاد حل نهائي لملف الإرهاب بكل تفاصيله وحيثياته وكيفية التعامل مع الجماعات الإرهابية المسلحة بما يؤدي إلى الاستقرار .
5- العمل على صياغة حل سياسي تفاوضي يعالج القضايا السياسية في الجغرافيا اليمنية وعلى رأسها القضية الجنوبية بما يتناسب مع مصالح واستقرار العالم , وبما يكفل الاستقرار لهذه المنطقة الجغرافية الهامة .
حسنا هذا هو الجزء الأول ...
سيتناول الجزء الثاني والأخير , نقطتين هامتين , سنناقشهما كل على حدة , الأولى تخص لقاء (غريفيث) بالمجلس الانتقالي في ابوظبي , والثانية ستتناول قراءة تفصيلية لإفادة المبعوث الدولي (مارتن غريفيث) الأخيرة إلى مجلس الأمن .
همسة في أذن الأصلع هادي : الرجل كبير بقومه , لا بنفسه , وستعلم ,,,
همسة في أذن الزبيدي : ليس العيب أن تخطيء , ولكن العيب كل العيب أن تكابر على الحق وتستمر في الخطأ,,,
د.بليغ اليزيدي
عشاء الجمعة
20 ابريل 2018 م