ادب وشعر

الأربعاء - 07 نوفمبر 2018 - الساعة 11:44 ص بتوقيت اليمن ،،،

تحديث/ متابعات:

صدر حديثا للكاتب الصيني الشهير يو هوا الترجمة العربية لروايته "نهر الزمن"، نقلها عن الصينية المترجم المصري يحيى مختار، الذي قدم للعربية رواية "بكين..بكين" للكاتب شيو تسي تشين، و"صرخات تحت رذاذ المطر" ليو هوا نفسه، الذي تُرجمت له من قبل روايات "على قيد الحياة"، و"اليوم السابع"، و"مذكرات بائع الدماء"، ومجموعة قصصية بعنوان "صيف حار جدا".

تدور أحداث الرواية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بالصين حول حياة طفل منعزل عمن حوله يحاول أن يفهم حياته غير الطبيعية. كما أنها مليئة بالكوميديا السوداء والأحداث المتناقضة.

بدا جليا تأثر يو هوا في روايته "نهر الزمن"، التي صدرت بمقدمة ضافية لمختار، بأسلوب الروائي الأمريكي الأشهر صاحب نوبل ويليام فوكنر، خصوصًا رائعته الشهيرة "الصخب والعنف" من عدة نواحٍ، منها أسلوب السرد الذي يندرج تحت تيار الوعي، والابتكارات اللغوية والرسم الحي الصامت للشخصيات، وكذا الانزياح الزمني داخل السرد.

ويشير مختار في مقدمة الترجمة إلى أن أعمال يو هوا تتسم بنوع من الدراما النفسية والعمق الانفعالي، كما أنها تجمع بين التجريب التقني والطابع المحلي الذي يبرز ارتباطه بالبيئة التي عاش فيها والأشخاص الذين عرفهم. وهو ما جعل من أعماله بمثابة رسم حي وصورة مصغرة لواقع المجتمع الصيني في الوقت ذلك، كما أنه دائمًا ما يولي اهتمامًا بالغًا بالوقت داخل كتاباته؛ فهو يرى أن الوقت بمقدوره أن يغير من ملامح الحياة في أي لحظة.

يذكر أن يو هوا لم يقيد نفسه بالأسلوب السردي الروائي التقليدي، سواء كان السرد المتسلسل أو المقلوب أو المكمل أو حتى المتداخل، بل بدا واضحًا أنه تحرر من قيود السرد التقليدي، وأقحم نفسه وسط تركيب مزاجي وتراكيب أسلوبية تبدو للقارئ وكأنها قصاصات ممزقة من لوحة مكتملة.

وهناك طرف ثالث يقبع في ثنايا السرد في إبداعات يو هوا، الذي قسم روايته لأربعة فصول، كل منها يحتوي عددًا من العناوين الداخلية، وهذا الطرف الثالث يستطيع التغلب بفاعلية على محدودية الواقع السطحي للأحداث، بمعنى أنه يمكننا بواسطته الانتقال من الواقع الآني البسيط المحدود إلى الجانب المستقبلي المعقد. ما يعكس طبيعة أسلوب السرد التي انتهجها يو هوا في روايته، بحيث يبدو وكأنه يحكي للآخرين عن أحوال الآخرين وليس عن أحواله هو.

الشخصية المحورية في "نهر الزمن" التي صدرت في القاهرة ضمن مطبوعات "بيت الحكمة الصيني" و"دار المتوسط" العراقية، هي الطفل سون قوانج لين الذي صار يافعًا، وهو الراوي الذي تجري على لسانه الأحداث، وقد جاء السرد بضمير المتكلم "أنا" الذي يعتمده الكاتب في الكثير من أعماله، حيث يحكي لنا بطل الرواية من موقف المتفرج تفاصيل المسار الزمني لأحداث حياته منذ كان في السادسة إلى أن بلغ الثامنة عشرة.

الراوي "أنا" يظهر في الرواية على صورتين؛ الأولى هي "أنا" الطفل والأخرى هي "أنا" البالغ. حيث يسترجع "أنا" البالغ في الوقت الحاضر ذكريات "أنا" الطفل في الماضي، وهو ما يتجلى واضحًا عبر اختلاط الأزمنة والأحداث داخل الرواية. وعندما يتذكر "أنا" البالغ معاناة "أنا" الطفل في الماضي يتحول الغضب والبؤس الذي كان يسيطر عليه في الماضي إلى عفو وتسامح. وهذا في الحقيقة ليس سوى استغلال لقيم التسامح والترفع لدى الكبار للتحرر من الغضب والكره عند الأطفال.

وُلد سون قوانج لين، وعاش في بيت عائلته بصحبة والده سون قوانج تساي، ووالدته التي لم يرد اسمها داخل الرواية، وجده سون يو يوان في قرية اسمها "الباب الجنوبي" إلى أن بلغ السادسة، وهو الأخ الأوسط لثلاثة إخوة، الأكبر سون قوانج بينج، الأصغر سون قوانج مينج الذي مات صغيرًا، وقد تبناه بعد خروجه من القرية زوجان هما وانج لي تشيانج، وزوجته المريضة لي شيو ينج، ثم انتقل للعيش معهما في مدينة سون تانج القريبة من مسقط رأسه، وظل هناك إلى أن توفي والده بالتبني وانج لي تشيانج، حيث عاد مرة ثانية إلى قرية "الباب الجنوبي"، وظل هناك إلى أن التحق بالجامعة في بكين.

في "نهر الزمن" نجد الأب قد تخلى عن حياة الاستقامة ليتحول إلى شخص مبدد وماجن يجلب العار لنفسه ولعائلته، فنراه مرة يقيم علاقة مشبوهة مع امرأة مطلقة، وتارة يتحرش بزوجة ابنه، ويبدد ممتلكات بيته، وفي النهاية يقع في إدمان الخمر ويموت ميتة مهينة إثر سقوطه ثملاً وسط حفرة الصرف. وأخ أصغر يحاول تقليد أخيه الأكبر في سطوته وشجاعته فينبري لإنقاذ صديقه الذي سقط في النهر فيموت بدلاً منه. وأخ أكبر كثير الصمت كان يتطلع للانتقال للعيش في المدينة، ولكن محاولاته باءت بالفشل. وأم مكلومة كثيرة البكاء، خصوصًا بعد أفعال زوجها المشينة. وجد عاش حياة مليئة بالأحداث بداية من عمله في صباه مع والده الحجار وهروبه من نيران قوات الاحتلال الياباني وصولاً إلى زواجه من عائلة ثرية، ثم وفاة زوجته وانتقاله للعيش بين منزلي ولديه. هناك أيضا والدان بالتبني، الزوج رجل عسكري يدخل في علاقة مع امرأة أخرى ثم ينتحر عندما ينكشف أمره، والزوجة امرأة مريضة غريبة الأطوار تغادر بيتها بعد موت زوجها تاركة طفلهما بالتبني وحيدًا عاجزًا.

ويُعَد يو هوا، الذي ولد في الثالث من أبريل/نيسان عام 1960 بمدينة هانجتشو بمقاطعة تشهجيانج جنوب الصين، أحد أبرز أبناء جيل الرواد الذي يضم أيضًا مو يان، وسو تونج، وسون قان لو، وليو جين يون وغيرهم من الأدباء المعاصرين. كما أنه أكثر الأدباء الصينيين المعاصرين شهرة على الساحة العالمية، وتأتي أعماله وزميله مو يان في مقدمة الإبداعات التي ترجمت إلى لغات أجنبية، وحظيت بانتشار عالمي واسع النطاق.